خمسة وخمسون عامًا، ذكرى عطرة لاندلاع أول شرارة لثورة 14 أكتوبر المجيد من على جبال ردفان الشماء، ثورة حررت الجنوب اليمني العظيم من الاستعمار البريطاني ومنظومة الحكم الانجلو سلاطيني والإقطاع، ووحدت 22 سلطنة ومشيخة وإمارة في دولة اليمن الجنوبية الشعبية ثم الديمقراطية، ثورة وعي وقيم ومبادئ وأخلاقيات كمنظومة سياسات وسلوكيات، تزيح من على كاهل الأمة إرثًا قبليًا عقيمًا وتخلفًا وجهلًا ومرضًا وفقرًا وأمية، من أجل أن نكون أمة كسائر الأمم المحترمة، قادرة على مواكبة متغيرات العصر ونهضة أمم المعمورة. ثورة حق، ونهضة وتقدم، لسد الفراغ الذي تملؤه المشاريع الصغيرة بمشروع وطني وإنساني، مجتمع متنور بوعي الحرية والمساواة والمواطنة، مجتمع مدني، بقواعد مدنية تنظم الحياة والعلاقات، وتضمن الحقوق والواجبات لكل الناس سواسية، لا سيد ولا مسود، لا أمير ولا عبد، لا شيخ ولا مهمش، الكل سواسية في ميزان العدل وسلطة النظام والقانون لتكن دولة ونكن مجتمع إنساني. ثورة نتذكر فصولها نحن جيل عاصرنا أحداثها في طفولتنا، شاهدنا مسرح عمليتها في عدن نتذكر نضال وبسالة الفدائيين، آباؤنا وأجدادنا الذين ضحوا بأرواحهم فداء لتحقيق أهداف سامية ومشروع وطني أنساني عظيم، دماء روت الأرض وطهرتها، وكوكبة من الشهداء سقطوا، من أجل أن نعيش، مستقبل واعد. 55 عامًا من النضال في مسار الثورة والجمهورية، شخنا وتعثرت مسيرتنا بإرث ثقيل من الجهل والعصبية والتخلف، بالايدولوجيا والحرب الباردة، في إخفاق إدارة التناقضات والاختلافات والتنوع في الأفكار، في الدسائس والمؤامرات على اليمن، مما جرنا البعض لصراعات سلبية مدمرة، لم نتمكن في ترسيخ دولة حقيقية تضمن المواطنة والحياة الكريمة والرخاء والعدل في الحقوق والواجبات. منذ السنوات الأولى للثورة، وعجزنا في أن نحقق ولو الحد الأدنى من هذه الأهداف، 55 عامًا كم من الدماء الطاهرة سفكت والأرواح البريئة أهدرت؟، ستجدها تفوق أضعاف مضاعفة لعدد شهداء الثورة، كلما تعافى الوطن وأسس بنىً قادرة على أن تنهض به، من أدوات التنمية السياسية والتنمية البشرية، كلما ابتكرت القوى التقليدية المتخلفة الأعذار لدوامة صراع تلتهم هذه الأدوات وتهد كل ما بني وأسس في أيام معدودة، وتزيد من حجم التراكمات لتثقل كاهل الوطن والمجتمع بالأحفاد والضغائن والثارات، لننتقل من مرحلة انتقام لمرحلة انتقام أخرى، وهكذا 55 عامًا من الصراعات كانت كافية للقضاء على كل آمال وطموحات البسطاء في الدولة الضامنة للمواطنة، بتفوق المشاريع الصغيرة على مشروع الثورة الوطني، مشروع الأمة، كل ذلك ويظل الأمل يراود الناس في بزوغ فجر الحرية، ليجدوا آمالهم وطموحاتهم وأحلامهم تتحقق فيه. سيأتي هذا اليوم، حينما يصل الوعي لمستوى تجاوز الماضي بكل مآسيه وصراعاته وتراكماته، تجاوز الحرب الأهلية التي أقصت قوى الثورة الحقيقية، ليتصدر المشهد طرف ثوري وحيد بفكر وايدولوجيا، فرضت واقع تصفية الخصوم وكل من يخرج عن النص المحدد للنهج، فرضت عقلية نظرية المؤامرة، ووطنية الحزب الأوحد والصوت الذي لا يعلو عليه صوت، مما جعل العنف والسلاح وسيلة للحسم في وجهات النظر والاختلافات، أنتج مراحل صراع ينتصر فيها العنف والاستبداد والهيمنة، وتدحرجت كرة الثلج لتكبر وتكبر، ليكون واقعنا اليوم المثقل بالثارات والأحقاد والانتقام. لكل مرحلة صراع إفرازات، وكيانات طارئة تبرز على السطح، لتتحول لمشكلة جديدة في مسار الثورة، وحجر عثرة أمام قوى الثورة، نجد اليوم تكوينات طائفية مذهبية مناطقية، وللأسف مسلحة ومشبعة بتراكمات الماضي والماضي السحيق، كيانات أسستها وتدعمها قوى خارجية، والهدف هي الثورة والجمهورية التي تعكر صفو هذه القوى. اليوم الثورة في تحدٍ كبير، وما زالت مستمرة لتحقق أهدافها، الأمل موجود، والعثرات موجودة، والصراع قائم، وأين نحن من هذا الصراع؟ مع الثورة والجمهورية والدولة الضامنة لأهدافها وقيمها ومبادئها التي يناضل الناس اليوم تحت راية الدولة الاتحادية، أم مع أعداء هذه الثورة وأطماعها في جعل اليمن ضعيفًا هشًا متناحرًا، لقمة صائغة لهم وحديقة خلفية لبلدانهم، لتعود الإمامة وحكم الإقطاع والسلطنات.
أحمد ناصر حميدان
14 أكتوبر.. 55 عامًا من التحديات 1268