في خضم مسار الأحداث التي عشناها ولازلنا نعيشها إلى اليوم، هناك موقفان، الأول مشرّف مع التغيير والتحوّل لواقع يلبي تطلعات وطموحات الناس، لنصل لحل جذري لكل قضايانا، ينتج تعايشاً وسلاماً واستقراراً وتنميةً ونهضةً، لنكون أمة محترمة لها سيادتها وإرادتها وشخصيتها الاعتبارية، وفيها مواطنة تحفظ الحقوق والواجبات وتحتكم لنظام وقانون، وآخر مخزٍ يصطف مع أشخاص وزعامات وتعصبات وأيدلوجيا، يبحث في قمامات الماضي، عن مبررات انتقام مشبع بالأحقاد والضغائن، يرسّخ صراعات جانبية ليتوه الناس عن مشروع التغيير والتحوّل، ينتج مزيداً من المشكلات والتعقيدات، موقف لا ينتج حلاً لوطن يستوعب كل أبنائه. عندما كان الناس في الموقف المشرّف منذ الاستقلال، كان هناك من هم في الموقف المخزي للاستئثار بالسلطة، خلقوا صراعات راح ضحيتها الشرفاء، والكل يعرف عملية الإقصاء والمطاردات، بل الاغتيالات كمواقف مخزية، ذِكرها يحتاج مساحة أكبر من مساحة مقال.. وهكذا استمر الخزي في التصدي لأي مشروع وطني يسعى لتغيير حقيقي ينهض بالأمة.. الوحدة كمشروع وطني اقترن بالديمقراطية والشراكة والحرية، وعندما بدأت المؤامرة على الوحدة بالاستئثار بالسلطة والثروة وإلغاء الشراكة وتحويلها لسلطة أمر واقع في 94م، وجد موقفان مشرّف مع الوحدة كمشروع دولة المواطنة والحرية، ومع الوحدة كمشروع خاص تستأثر بالسلطة والثروة عصابة نفود، تحت مظلة ديمقراطية مزيفة. وعندما اشتد الغضب الجماهيري ليعم اليمن من الجنوب للشمال لفرض التغيير على السلطة في ثورة الربيع اليمني. كان هناك موقفان، مخزٍ مع السلطة الغاشمة، ومشرّف مع الثورة، وبدأ مخاض التغيير، كان الجميع شركاء فيه، بما فيهم أصحاب المواقف المخزية، هل اتعظوا؟.. وكان لهم مواقف مشرّفة لدعم التغيير؟ أم استثمروا شراكتهم لضرب التغيير والتحول المنشود؟ الإجابة على هذه الأسئلة هي مواقف اليوم، والتاريخ يسجل مواقف الأمس واليوم، من هم أصحاب المواقف المشرّفة، ومن هم أصحاب المواقف المخزية، مواقف الانقلابات على كل مشاريع تغيير وتصحيح، والانقلاب على العملية السياسية والتغيير لإنقاذ السلطة السابقة، والاستئثار بالسلطة لجماعة طائفية أو مناطقية وتقسيم البلد لكنتونات متناحرة، بل تحويل العمل الحزبي لصراع إرادات، وشيطنة الأحزاب، لضرب الديمقراطية في مقتل، وترسيخ دويلات بأنظمة شمولية تستأثر بالسلطة والثروة. في هذه المعمعة كان ولازال الوطن والمواطن هما الضحية، ولازال مسلسل التدمير قائماً في استحمار ما يمكن من البشر وسحرهم بالشائعات وجرهم للتبعية، سياسية طائفية مناطقية كانت، والترويج لمشاريع الوهم، يصفقون وينتقلون بمواقفهم المخزية حسب الطلب، ولازال الموطن هو الضحية والوطن يتمزق، ويُدمَّر بمزيد من الخصومة الفاجرة. إلى هنا وكفى استحماراً وغباءً ونهج سياسة التبعية وضرب أسس الديمقراطية التشاركية.. كفى استحماراً بالعقول والشحن والتحريض بكم هائل من الشائعات، وبث الكراهية والعنصرية وتمزيق النسيج الاجتماعي والسياسي وتصدع وطن لخدمة أعدائه . نحن مع النقد البنّاء ومع تسريب حقائق بدلائل دامغة، لكشف الفساد والفاسدين والمغرضين والمتآمرين، ونرفض الاستمرار في بث الفتن والتحريض والتأليب المناطقي والطائفي، كموقف مخزٍ بكل المعايير، يترسخ اليوم بالتحريض ضد رئيس الوزراء والوزراء بمنشورات مناطقية وطائفية، تصدِّع الوطن وتشتت الجهود وتمزق الصفوف، تحريض ضد إخواننا النازحين من مناطق الحرب في شمال الوطن، واتهام الحكومة بالتغير الديمغرافي للجنوب، هذه أسخف نكتة. هذه ليست سياسة.. هذه بلطجة تعبّر عن قبح أصحابها، والداعمين لها ومن يروّج لها، تعبّر عن هزيمة لازالت قابعة فيهم، تتضح من حين لآخر بسلوكياتهم وثقافتهم.. أتركوا هذا الوهم وقدّموا الجنوب بصورة أفضل وأجمل.. قدموا أنفسكم بأحسن صورة خيراً لكم من الانحطاط والسقوط في وحل العنصرية التي تعبّرون عنها بصورٍ مخزية، في سيناريو لو تمعنت في أدواته لوجدتهم هم ذاتهم أصحاب المواقف المخزية، أدوات تديرها شياطين من وراء الحدود، في أدوار مدفوعة الثمن.
أحمد ناصر حميدان
شتان بين موقف مشرف ومخزي 1499