نكرر خيباتنا.. وواقعنا اليوم هو امتداد لذلك التكرار، واقع موحل بالطفيليات الضارة التي تنخر المجتمع وتصدع الحياة، وتفرز عدداً من الأمراض الفتاكة، واقع مضطرين العيش فيه وحولنا القليل من الذكاء والكثير من الغباء. فالغباء سمة بشرية مميزة شأنها شأن الذكاء, وكل إنسان عادي مثلي يتمتع بلحظات غباء تماما كما يتمتع بلحظات ذكاء، الفرق عندما يتفوق الذكاء في لحظة فارق يكتشف فيها الإنسان خطورة مواقف واختيارات وسلوكيات غبائه. وهناك غبي لا يفعل ذلك، بل العكس يضيف لتاريخه المزيد من المواقف والاختيارات والسلوكيات الغبية، دون أن يتألم لتداعيات ذلك على الآخرين والمجتمع والوطن، حيث يموت فيه الضمير الإنساني والوطني، وينام ملء عينيه دونما أي شعور بمصاب الآخرين من نتائج غبائه، والأغبياء لا يستوعبون الدروس والعبر ويكررون خيباتنا، دون شعور بالذنب، وإن شعروا بما ارتكبت أيديهم من آثام وأخطاء، لكنهم يبررون ويبررون حتى آخر ما يتبقى لهم من رمق في الحياة, بل وإنهم يتفلسفون في تبرير الأخطاء، بل ويروجون لارتكابها، بل ويشعرون بالراحة الكبرى إذا رأوا من مثلهم يتكاثرون في كافة مرافق الحياة. الشعور بالذنب يحتاج لضمير حي، ولا حياة لضمير دون عقل بمستوى من الذكاء، يرتقي أخلاقياً وإنسانياً بصاحبه، والراقون وحدهم أكثر الناس معاناة في هذه الحياة، ولا يشعر بمعاناتهم ويعرف لغتهم إلا من كان مساوياً لهم في الرقي. ما أكثر الأغبياء في واقع خائب، برهة من الزمن في صحبتهم تجعلك تتقيأ بقرف مفرداتهم وعباراتهم وتصرفاتهم، العنصرية والجهوية والطائفية، غباء المتخبط في تبرير الجرائم والاغتصابات والقهر والتعسف.. صدمت بقوله عن المغدور به الشهيد/ رأفت دنبع، إنه ليس جنوبياً بل أصوله يمنية من إب، كما قال سابقاً عن الطفل الضحية للوحوش البشرية، وكررها المحتجون هم جماعة من الإخوان وحزب الاصلاح وبقايا الشماليين في عدن.. هكذا ينظرون لأبعاد الجريمة، بنظرة ضيقة متعصبة مغالية، نظرة الحاقد والكاره والمبرر للإرهاب المعنوي والجسدي والفكري، بنكاية سياسية قذرة، دون وعي بمنطق الأمور والحرية والتعدد والتنوع الفكري والسياسي.. هذه العقلية الغبية تربعت قمة السخافة في هذا الخيبة، بصغرها ودناءتها، هذا النوع من الأغبياء يموتون برضى تام, يموتون وهم يعتقدون أنهم برروا للعالم كل ما فعلوه من تفاصيل حقيرة لا قيمة لها سوى قيمة الشر الدوني, يموتون وهم يعتقدون أنهم ولشدة ذكائهم، أمضوا حياتهم وهم يلعبون ويتلاعبون بالحياة، وكأنهم لا يعرفون أن الحياة أذكى منهم، بما لا يقاس، وأنها- طيلة تلك الأيام- كانت تلعب بهم, وجعلتهم دمى تحركها نفوسهم المصابة والغارقة في وحل آسي من الفيروسات حتى صاروا جزءا أصيلاً منه. هذه العقلية هي خيبتنا، في تبرير وإنتاج المزيد من الخيبات، وتصدع المجتمع وإحداث شروخ وطنية، وانفلاتاً أمنياً، وصمتاً معيباً لكل الجرائم الجسيمة التي ترتكب، للاغتيالات والقهر والمداهمات وزور الليل وانتهاك أعراض الناس، والاغتصابات وتقييد الحريات دون مبرر قانوني، برروا لكل شيء للسطو والبسط والنهب والفساد والانحطاط ما دام يحمل صفة جنوبي أو يرفع راية الجنوب، أفرغوا القضية من عدالتها وحطوا من مكانتها وسموها ونبلها لإرضاء حثالة من بشر هم امتداد لذلك الزمن البائس، غيروا فقط من ردائهم وصفاتهم المناطقية وراياتهم زورا وبهتاناً. هم النفسيات الدنيئة التي يستخدمها المستبدون والطغاة، سياسيين وعقائديين كأحصنة لتربع سلطة الأمر الواقع، نفسيات حقيرة يدفعون بها بين أوساط الناس لتفرز السموم والعاهات، في ظل هذا الواقع الخائب، وعندما نتجاوز خيبتنا وتستقيم الحياة لا تهضم هذه النفسيات، ويلفظها المجتمع، نفاقها يدفعها لتغيير ردائها في كل مرة، محاولة لتعكير صفو الحياة بغبائها لتكون أداة مصالح لمن يتربع العرش، في محاولات إيجاد حيز ومنطقة لغبائها في كل مرحلة. اللهم أرنا الباطل باطلاً وجنبنا اتباعه من الأغبياء والمنافقين، وول علينا أخيارنا من الأذكياء والصادقين يا رب العالمين، وقنا الخيبات والتبعية والارتهان لغير الوطن والانسانية.
أحمد ناصر حميدان
غباء خيباتنا 1302