تغير الزمن، وتغيرت التحالفات، وتغير العالم، وتغيرت الجمعة ولازلنا نحن قابعون في نفس الخطبة والخطاب.. تتغير الأمزجة مع متطلبات المرحلة، يؤثر الإجماع وصراخ المتألمين ووجع المتضررين، على مزاج السياسي في خطبته وخطابه، ليوحي ما يعبر عن تطلعات الناس، ونحن لا نهتم.. مزاج سياسيينا، هو مزاج مدفوع الثمن، بتوجيه، وخطاب يرضي به أسياده، ومن يدفع له كل تكاليف راحته وحراسته وموكبه وفخامته. الناس ثارت لتغيير واقعها، بتغيير من يقود مسيرتها وخطابه السياسي وثقافته وأفكاره، تغير طواغيت الإعاقة لمسيرة النهضة، التابعين والمرتهنين لأجندات أرادت للبلد أن يبقى متناحراً فاشلاً مريضاً مستسلماً ومتسولاُ، وأمواله تنهب وتذهب لجيوب تلك الطواغيت، ونحن لا تغيير يذكر، ونربي لنا طواغيت أسخف وأبلد من السابقين، ونحيط حولهم الحراسات والثكنات العسكرية، والحماية المناطقية والقبلية، المدعومة بخصومة الماضي. مشكلتنا- منذ التحرر الأول- والبلد مرتهن أرضاً وإنساناً، للطامعين فيه، يتضح الارتهان بالدعم السخي للنفوذ المعيق لنهضة البلد، ويختار بعناية ممن هم عالة على البلد، كدعم نفوذ الشما- الذي أعاق دور الحركة الوطنية ومحاربته-، هم اليوم ينفذون المخطط في الجنوب، يختار من هم عالة على الجنوب ودعمهم لتبقى تلك العالة معيقة لنهضة وتقدم البلد، اذا كان الأولين منقسمين ايدلوجيا بين قويتين عظيمتين في العالم، فاليوم صار هؤلاء يسلمون البلد لأسوأ وأحقر ما في هذا العالم، مقابل أدنس مال في العالم. دعم المعاقين سياسياً أهم نتائجه، إعاقة التوافق والتعايش في وطن يستوعب كل أبنائه، ويتجلى هذا في الحديث عن الحوار في الجنوب بمزاجهم بدون مراعات حق الآخرين في هذا الحوار، يحدثك بنفس المنتصر، وعليك أن تقبل هذا الحوار كمهزوم، بينما أنت من انتصرت للقضية، وهو كان منقسماً جزء منه كان عدو القضية، وآخر كان يحمي مناطقه وقبيلته، والقليل هم من كان شريكاً في المعركة.. إنه المال المنثور، التوجيه، والتلويح بالسلطة، وبذخ الفخامة، وسوء البطانة، الطبالون والمداحون، ومخالب العنف والشيطنة، صورة عفاش تتكرر مع القوى السياسية وهي تطالبه في إصلاح الوضع وتسوية الساحة والديمقراطية. يحدد- وهو على مسافة بعيدة من السلطة- من يستحق البقاء، ومن لا يستحق، من يستحق أن يعيش في كنف وطنه ومن يستحق النفي، انهم يفتوا بالخروج عن النظام والقانون، أخذوا من التكفيرين مثالاً أعلى، يدينوا أنفسهم علناً في خطابهم. خطابهم يقول إنهم صنعوا لهذا الغرض، وصنع كل محتواهم، من ميليشياتهم، ومكوناتهم، صنعوا لخدمة أجندات، قد تتغير التحالفات، وتنتهي تلك الأجندات، وتحرق كل تلك الأوراق، ويتوقف التموين، ستتحول تلك القوة لمضادة تسحقه قبل غيره، حتى وان وضع احتياطاته بالاختيار المناطقي، فالجوع كافر، وإذا عجزت على استمرار الإمداد المادي، ستكون ضحية نهم وتعطش تلك القوة للمال. أنا لم أجد سياسة أغبى من هؤلاء الذين يضعون أنفسهم في فوهة مدافع غيرهم، ليرميهم مقذوفات في اتجاه شركائهم في الوطن، ويدفعهم لينتهكوا كل القوانين والدستور والاتفاقيات، بل القيم الديمقراطية والانسانية، ليضعوا بلدهم في جحيم من الصراع، يزيد من حجم التراكمات والثارات والأزمات، تحت وهم أنهم سينتصرون، وهل انتصر غيرهم؟! إنها دائرة الانتقام تأخذهم نحو ذلك الماضي ومعهم الحالمين باجتثاث الآخر، وإقصاء وتهميش المعارضين.. المضحك في الأمر أنهم يدعون محاربة الإرهاب والدين السياسي، وكل ذلك يحتاج لقانون ونظام متبع يحدد شكل وجوهر الممنوع والمسموح، لكن مكيالهم غير عادل، فالقانون سيكشف زيف تذرعهم، وسيضعهم قبل غيرهم تحت طائلة المساءلة القانونية، لأن القانون عادل ومنصف ولا يأخذ بغير الوقائع والتحليلات العلمية والمهنية، ويستند على أسس ومرجعيات، قد تنقلب عليهم، الفوضى أخرج لهم.
أحمد ناصر حميدان
المعقين للتوافق والتعايش 1166