ممكن أن نتفاهم، متى ما كنا صادقين في مواقفنا وأطروحاتنا، ممكن أن نتفاهم إذا غلبنا العقل والمنطق، لنستوعب أننا شركاء في وطن ولسنا خصماء في ورث لمن يعتبر أن الوطن مزرعة له وجماعته كإقطاعية وعلى البقية أن يكونوا شغيلة، تحت سلطانهم وأمرهم. مشكلتنا تنصب في تلك العقلية التي ترفض القبول بمنطق الشراكة، والاحتكام للعقل والنظام والقانون، يفسر الأحداث لصالحه، وفق الصورة الذهنية والشحن الأعمى، والواهمون بالسلطة، يفسّرون ما يحدث مؤامرة على أوهامهم وأمنياتهم في التسلط على الآخرين، ويكيلون وابلاً من التهم والتخوين لهم. منشورات ومقالات، مثقفين وأكاديميين، سياسيين وسلطويين، تسكنهم نظرية المؤامرة، يعيشون مآسي وآلام ماضٍ تجاوزته المتغيرات وما فرضته من تحالفات.. سلسلة من الأحدث كان فيها منتصر وفيها مهزوم، منتصر شطح ونطح وانتهك وطغى وبغاء، ومهزوم ذاق مرارة القهر والظلم، وبما أن الحياة دواره ومتغيره، لكل مرحلة دولة وناس، منتصر الأمس مهزوم اليوم، والعكس، فهل يستفيد المهزوم من درس هزيمته؟, وهل وصل لقناعة أن العنف غير مجدٍ وضرورة البحث عن توافق واتفاق في حوار بفضي لوطن يستوعبنا جميعا أفكار وفئات وطوائف وعقائد وأيدولوجيات ومكونات سياسية واجتماعية، الإجابة في واقعنا اليوم الذي يحكي أن الدرس لم يستوعب بعد، وان العقلية مهما امتلكت من علم ومعرفة تظل أسيرة اللبنة الأولى للتربية، وهي العصبية والعنجهية، التي يمارسها البعض اليوم ويعتبرها سياسة وهي مدياسة. ما حدث من فتن في مواجهات مسلحة بين أبناء المدينة الواحدة والإقليم الواحد، في عدن وشبوة وسقطرى، يقول العقل والمنطق أن هناك مليشيا مدعومة من الإمارات تستخدم للضغط على القوات المشتركة حكومية وشعبية وقبلية تدعمها، والأكاذيب والتدليس الناتج عن وهم الممثل الشرعي والوحيد يقول إنها مؤامرة على قوات جنوبية، من قوات عدوه، ويحددها إخوانية وشمالية، في توصيف معيب لأصحابه, يضعهم موضع الأطفال في العمل السياسي، فيعتقدون أن السياسة كذب وتدليس ومنشورات تعبر عن أحلام وأوهام تراود صاحبها، وهي بعيده كل البعد عن الواقع وحقائقه، يكذبون في كل لحظة ويوم، حتى يصدقون أنفسهم، وإذا هم في ورطة لأن حبل الكذب قصير، ورطة أوقعوا أنفسهم فيها، وإذا بهم عبء ثقيل على العمل السياسي والاجتماعي، يشوهون صورتهم ويلطخون تاريخهم، عبء يقدمهم بصورة مخزية أمام الجماهير، ويساهم في المزيد من انهيار شعبيتهم وتآكل كيانهم بالسلبيات والإخفاقات والوهم الذي يدمّرهم ذاتيا، ومن يكذب مرة صارت حياته كذب ووهم، وفي كل كذبة يتورط أكثر، حيث عليه أن يخترع عشرين كذبة أخرى للحفاظ على أكاذيبه الأولى، وفي كل كذبة يسقط من نظر الكثير وينحط أخلاقيا، لأن الناس تكره الكذب أشد الكره، وتشعر بالإحباط والتذمر عندما تكتشف حجم الكذب والتدليس، وهذا ما جعل الناس تنفر منهم وتحدد مواقف أخرى، اليوم إذا دعوا لوقفة احتجاجية ستجدها بعدد أصابع اليد، بعد كان يجمع مئات الآلف، ماذا يعني هذا؟! لن نتفق على أن نكون شركاء دون وعي وثقافة ترفض الكذب والتدليس وصناعة الأوهام التي لا تعبّر عن الواقع، ما مسنا اليوم للصدق، بالصدق سننهض ونتجاوز كل العثرات، لأن الصدق يسيد الحقائق وينتقد الواقع ويقيم الاعوجاج، ومن يصلح من نفسه يستقيم وينتصر لقضيته، الصدق هو وعي وثقافة وفكر صادر من عقل راقٍ وصافٍ ومتحرر.
أحمد ناصر حميدان
بالصدق سننتصر لوطن 1286