أخيراً تم الكشف عن مسودة اتفاق جدة المرتقب. إنها تثبت حق المجلس الانتقالي الانفصالي الموالي للإمارات ومكونات جنوبية موالية للسلطة الشرعية في تقاسم السلطة مع الرئيس الجنوبي.
الاتفاق يعيد تكريس الجهوية بشكل فج قبل أن يستعيد اليمنيون دولتهم وقبل أن يطمئنوا بأن التحالف سيساعدهم على استعادتها.
سيؤدي هذا الاتفاق إلى تضخيم الفريق التفاوضي وأجنداته، بما تنص عليه مسودته من إضافة لهذه المكونات الجنوبية إلى قوام الفريق المفاوض على التسوية النهائية، ما قد يعني أن السلطة ستواجه في أي مفاوضات قادمة عنتًا إضافيًا وأجندات مضادة أخرى لمشروع الدولة الاتحادية ان كان الرئيس هادي جادًا بالفعل في الوصول اليها.
هذه المسودة تكشف عن توجه خطير نحو تمكين التشكيلات المسلحة ذات الأجندات الانفصالية والجهوية الصارخة من التحكم بالدولة بعد شهر ونصف منذ انقلابها على الرئيس وحكومته في العاشر من أغسطس بعدن، لتصبح سيطرتها شرعية على الدولة وعاصمتها المؤقتة والجنوب.
الحديث عن وجود الشمال كشريك بالمناصفة في الحكومة التي يحتفظ الرئيس الجنوبي بحق تعيين رئيسها ووزراء الحقائب السيادية، تعبير حقيقي عن العبث لأن الشمال في عهدة الانقلابيين الحوثيين.
فمن أين أتت هذه الندية التي مكنت متمردي الجنوب من أخذ نصف الحكومة في مقابل الشمال الذي يرزح تحت سيطرة الانقلاب الأول، وكيف يكافأ هؤلاء بعد أن ساهموا- خلال أكثر من أربع سنوات- في إفشال السلطة الشرعية والتمرد عليها واستهداف الجيش الوطني والمقاومة قدر استهداف الحوثيين لها.
المكافأة هو أن المسودة تمنع على أطراف الاتفاق تشكيل كتائب أمنية وعسكرية خارج سيطرة الدولة، هذا الأمر لا قيمة له بعد أن تأخذ هذه الميلشيات المسلحة الدولة بموجب الاتفاق الذي صاغته السعودية.. لكن كيف ستضمن الحكومة أن الأمور ستمضي على ما يرام وما هي حدود قدراتها في مواجهة تمرد جديد على سلطة هادي سيستند هذه المرة على الاتفاق الذي أنتجه حوار جدة؟.
لا حاجة لليمن وسلطته الشرعية لهذا الاتفاق، لأنه يثبت سياسيًا ما فرضته الإمارات من حدود شطرية بقوة السلاح والعصابات المتمردة.
هذه المسودة تؤكد حجم العبث الذي تراكمه السعودية والإمارات على الساحة اليمنية، إنها تسوية فائضة عن حاجة اليمن المثقل بالحرب.
وما كنا ننتظره حقًا هو تحويل المناطق المحررة إلى نموذج للاستقرار والازدهار واحترام الدولة والنظام والقانون، وتحويلها كذلك إلى قاعدة إمداد للمعركة، وليس إلى ساحة للانتهاكات متعددة الأبعاد حيث أعمال الترحيل القسري واستهداف الأبرياء ومصالحهم، وتجنيد القتلة والمجرمين في حملات الاعتقالات والمشاركة في أعمال التعذيب والقتل في السجون السرية التي أقامتها الإمارات بجنوب البلاد.