لا تبدو الأمور منطقية أبداً في مسار الأزمة والحرب على الساحة اليمنية وعلى صعيد المواقف السعودية تجاههما. فالرياض على ما يبدو تتجه نحو التهدئة والتصالح وإبداء حسن النوايا تجاه الحوثيين الموالين لإيران.
والغريب أن ذلك يأتي بعد أن صادرت على مدى السنوات الماضية من عمر معركتها العبثية في اليمن، الخطاب السياسي والإعلامي للسلطة الشرعية التي جاءت لدعمها، لتملأه بادعاءات مواجهة المد الإيراني وأولوية المعركة مع الدولة الفارسية وأذيالها وأدواتها في المنطقة واليمن.
من سجن في خميس مشيط وعبر مطار أبها الذي تلقى أكبر موجة من هجمات الطيران المسير، أتى الأسرى الحوثيون المائة والعشرون على متن ثلاث طائرات تابعة للصليب الأحمر الدولي، وهي الدفعة الأكبر، إذ لا يزال يتعين على هذه الطائرات أن تقل بقية الأسرى الـ72 الذين لا يزالون في السجون السعودية.
وبالتزامن مع وصول الأسرى التابعون لميلشيا الحوثي إلى مطار صنعاء، وصل في مساء اليوم نفسه رئيس ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي على متن طائرة إماراتية خاصة، من نوع داش 7 كندية الصنع التي تستخدمها الشركات النفطية في نقل موظفيها عبر المطارات الترابية في حقول النفط.
ربما عبر ذلك عن قلة في حماس الإمارات، تجاه هذه الأداة الجنوبية الفاشلة، لكنها لم تفقد الأمل في إمكانية الاستمرار في توظيف هذه الأداة بما يخدم الأجندة النهائية للإمارات وللتحالف الذي بدأ يتفكك رغم حرص الرياض وأبوظبي الظاهري على أن يبدو متماسكاً.
هذا يعني في المحصلة النهائية أن السعودية والإمارات مستمرتان في مكافأة المتمردين على السلطة الشرعية، بما يكفي للكشف عن النوايا السيئة لهذا التحالف الذي لم يوفر وسيلة للنيل من الدولة اليمنية إلا واستخدمها.
توقفت المفاوضات المتصلة بالأسرى بين الحكومة الشرعية والحوثيين، والتي يرعاها مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، لتجد السلطة الشرعية نفسها مجرد شاهد يفتقد الحيلة على تطورات مثيرة للقلق في العلاقة بين السعودية والحوثيين، في وقت تستمر فيه ادعاءات الرياض بأنها تواصل دعم السلطة الشرعية وتسند خياراتها الحالية والمستقبلية.
وما أراه هو أن السعودية لم تعد تكترث بالسلطة الشرعية، بعد أن اطمأنت بأنها قد صادرت قرارها السياسي عبر اتفاق الرياض، الذي رسخ انقلاباً جديداً على هذه السلطة في جنوب البلاد، ووضعه كعصي صلبة في دولاب كان يفترض أن يستمر في الدوران إلى أن تصل السلطة الشرعية إلى غاياتها السياسية والاستراتيجية بالاعتماد على الدعم الذي يقدمه التحالف.
والأكثر إدهاشاً أن السعودية التي تراهن وبإيعاز بريطاني على إمكانية سلخ الحوثيين عن إيران، تواجه تعنتاً حوثياً يتجلى في استمرار الخطر الأمني الذي يشكلونه في جنوب المملكة، في ظل موجة جديدة من التصريحات التي اطلقها قادة في الميلشيا وتضمنت تهديداً باستمرار التصعيد، على شاكلة ما أفصح عنه وزير دفاع الحوثيين الذي أكد أن المعركة مع السعودية لم تبدأ بعد وأن الميلشيا في سبيل حصولها على الأمن الاقتصادي لن تتردد في تهديد المصالح الاقتصادية للمملكة والعالم في البحر الأحمر.
هذا النوع من التصريحات لا علاقة له بالميلشيا بقدر ما يشكل رجع صدى لسياسة الأوراق المضادة التي دأبت طهران على استخدامها في سبيل الدفاع عن مصالحها ولمحاولة التخلص من الحصار ومن التهديد الذي تشكله أعنف ثورة شعبية يواجهها نظام الملالي منذ عام 1979.