أثارت التأكيدات غير المسبوقة الصادرة عن وزير الخارجية القطري، الشيخ/ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في منتدى حوار المتوسط الذي انعقد في روما مؤخراً، بشأن وجود مباحثات بين بلاده والسعودية، تساؤلاً مهماً حول الانعكاسات المحتملة لحدوث انفراجه في العلاقة بين البلدين على مجريات الأحداث في اليمن.
لهذا التساؤل ما يبرره بالنظر إلى الحقائق التي سادت طيلة العامين الماضيين من عمر الأزمة الخليجية، وتجلى معها اليمن كإحدى ساحات المواجهة الحقيقية بين الرياض والدوحة.
في الواقع لم تكن الدوحة لتحتاج (في إطار موجهة كهذه) أكثر من إطلاق العنان لإعلامها القوي والمؤثر لكي يعكس حقيقة ما يدور في اليمن، وفق المعايير المهنية التي يتقيد بها هذا الإعلام ذي النفوذ الدولي الواسع، وفضح الترتيبات الخطيرة التي أرادت الرياض ومعها أبو ظبي أن تمضيا فيها قدماً ضداً على الأهداف التي حملتهما إلى القيام بأوسع تدخل عسكري في تاريخ البلدين، على الساحة اليمنية، وقد لا نراه في أي ساحة أخرى في المنطقة والعالم.
ليس مبالغة القول إن الحرب السعودية الإماراتية في اليمن؛ قد مثلت أحد الحوافز الرئيسة للبلدين لكي يؤسسا نفوذا إقليمياً مهيمناً ونظرة أحادية فيما يتصل بإعادة تشكيل وجه المنطقة وسياساتها، بحيث تكون جاهزة لتقبل المقاربة الأخطر لقضايا لا يمكن أن تحسم إلا بالحلول العادلة والمنصفة، كالقضية الفلسطينية، لا من خلال التطبيع مع الأطماع الإسرائيلية غير المشروعة.
لذا كانت القطيعة مع قطر هي أولى إنجازات هذه الحرب، في الوقت الذي كان فيه نحو 1500 جندي قطري يذودون عن الحد الجنوبي للمملكة ويقدمون التضحيات الغالية، قبل أن يضطروا إلى العودة إلى بلادهم بتلك الطريقة التي ظهروا فيها كأعداء للمملكة لا كمدافعين عنها.
لحقت بقطر تهم لا حصر لها، لكي تكون مبرراً ومسوغات مقبولة لما أقدمت عليه السعودية والإمارات تجاه حليف وعضو أساسي في مجلس التعاون الخليجي.
خسر اليمن من القطيعة مع قطر على الفور؛ علاقة مع دولة أبدت استعداداً متواصلاً لتقديم الدعم في الظرف الاستثنائي الذي تمر البلاد، وخسرت الحكومة ميزانية بملايين الدولارات كانت تؤمنها الدوحة كمرتبات للدبلوماسيين وموازنة تشغيلية للسفارات اليمنية في الخارج، قبل أن يجد المئات من هؤلاء الدبلوماسيين أنفسهم بلا مرتبات، فيما تراجع أداء السفارات بشكل كبير جداً، بينما كان اليمن في أمسّ الحاجة إلى دور دبلوماسي يسند معركته متعددة الأبعاد ضد الانقلابيين ومن يدعمهم.
وعلى الرغم من أن حكومة الرئيس هادي قطعت علاقتها مع الدوحة فور إعلان الرياض إجراءات المقاطعة الشاملة مع دولة قطر، مقرونة بادعاءات غير منطقية تتعلق بدعم قطري للإرهاب في اليمن، إلا أن دولة قطر بقيت جزءا من المجتمع الدولي الذي يقر بالسلطة الرئيس هادي التي تتخذ من الرياض مقراً لها بالمرجعية السياسية الشرعية لليمنيين.
لم يكن منطقياً أن تجد الجالية اليمنية العريقة في قطر نفسها بدون سفارة ترعاها، وأن يغلق العرب أبوابهم أمام اليمنيين، خصوصاً الدول التي استباحت أجواء اليمن وبره وبحره، بدعوى دحر الانقلاب، وفي الآن ذاته ضيقت الخناق على حركة اليمنيين ومنعتهم من دخول أراضيها لتكرس بهذه الإجراءات القاسية حصاراً لا سابق له في التاريخ، ولم يواجهه مواطنو أية دولة واجهت ظروفاً مشابهة.
ومن المفارقات التي حضرت بالتزامن مع إجراءات التضييق ضد اليمنيين، الخطاب العروبي الذي تبنته فجأة البلدان ذاتها التي ناصبت هذا الخطاب العداء في ستينيات القرن المنصرم، ليتحول معه اليمن إلى جبهة مواجهة متقدمة مع المد الإيراني لا ساحة مواجهة مع الانقلاب، الذي تتساوى في دعمه الرياض وأبو ظبي وطهران.
من المؤكد أنه في حال عادت العلاقات بين الدوحة والرياض إلى سابق عهدها، فإن الحكومة الشرعية ستسارع إلى فتح خطوط تواصل مع قطر، لكن لا أتوقع أن تعود بالوتيرة ذاتها من الحماس. فقد جرت في النهر مياه كثيرة، والأمر سيتوقف على الحكومة التي سيستقر عليها اليمنيون وعلى مدى تحررها من أجندات النفوذ الإقليمية.
لذا كل ما سنلحظه في تقديري هو تهدئة في الجبهة الإعلامية وخفوت في مستويات التتبع للثغرات السياسية والأمنية التي تنفتح ضداً على السعودية وسياساتها في الساحة اليمنية، وفي المنطقة والعالم. وتلك نتائج غير مجدية بالنسبة لليمن وسلطته الشرعية، والطيف الواسع من المنخرطين في تأييد بلغ حد اليأس من السلوك المحبط لسلطتهم الفاقدة للخيال والمحبوسة في الرياض.
فالسلطة الشرعية أمام مرحلة جديدة من التعاطي السعودي الإماراتي مع اليمن، تجلت ملامحه الكارثية في تصميم اتفاق الرياض وفرضه على السلطة، لتكبيلها بالمزيد من الالتزام تجاه المكونات الفوضوية، وصولاً إلى الهرولة الكبيرة نحو الحوثيين من جانب القيادة السعودية.
وهي الهرولة التي تسببت فيما يشبه الصدمة لأحد القيادات البارزة في الدولة اليمنية من رجال صالح، ولا ندري كيف سيتصرف الرئيس حيالها، وكيف سيكاشف شعبه فيما لو وجد نفسه مجرد شاهد فاقد الحيلة على التسوية التي بشّر بها وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، في مداخلة له أمام مؤتمر حوار المتوسط.