معسكر يفرس التابع للجيش الوطني والواقع جنوب غرب تعز هو العنوان الأكثر وضوحاً للنشاط العسكري الذي يندرج ضمن الأجندة الوطنية وتحت أنظار الشرعية ويأتمر بأوامرها، والأهم من ذلك أن جنوداً مروا في هذا المعسكر سبق وأن قاموا بأدوارٍ مشرفة في إنقاذ تعز من أشد الأخطار التي أحدقت بها وكادت في بعض محطاتها أن تؤسس لإمارة داعشية كاملة بواسطة كتائب أبو العباس المصنفة إرهابياً والمدعومة بالكامل من ابوظبي.
الصورة وحدها هي التي أحدثت كل هذه الجلبة، فالجنود العائدون من الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، ظهروا كحشد غير مسبوق في تاريخ تعز، ما دفع بالتحالف والجوقة المرتبطة به إلى النظر إليه باعتباره فائض قوة طارئ وغير مسموح به في محافظة لطالما اُستبقيت عمداً كمثال على قسوة الحرب وتداعياتها المأساوية، ودرساً في العقاب المفتوح على محاولة نيل الحقوق بالإرادة الشعبية الحرة.
قبل أن يخرج الشيخ حمود المخلافي ببضع عشرات من رجاله في مواجهة عدوان الانقلابيين على محافظة تعز أوائل العام 2015، كان كل شيء يشير إلى أن هذه المحافظة تحت السيطرة العسكرية الكاملة لهؤلاء الانقلابيين، مع وجود نحو اثني عشر معسكراً متخمة بالمقاتلين من عناصر الجيش السابق ومجهزة بكل أنواع الأسلحة المشتراة بأموال اليمنيين.
تحلَّق مقاتلو تعز بحماس منقطع النظير حول قائد مقاومتهم ليشكلوا نواة صلبة في مواجهة تلك القوة الغاشمة، وسرعان ما تدحرجت هذه المقاومة ككرة الثلج لتبدأ أولى خطوات تحرير عاصمة المحافظة، ولم تبخل تعز ومقاومتها على بقية الجبهات، التي يشكل المقاتلون المنحدرون منها جزء مهما من القوام المقاتل في تلك الجبهات.
ومن موقعه كرئيس لمجلس المقاومة الوطنية في اليمن، تفاعل الشيخ حمود المخلافي مع الآلاف من الذين تم تجنيدهم في ظروف سيئة ليواجهوا ظروفاً أكثر سوء ولا إنسانية في التخوم الجنوبية للمملكة العربية السعودية.
فلا يزال اليمنيون يتذكرون كيف تم الدفع بالآلاف من هؤلاء المقاتلين في معركة بلا غطاء في أحد أودية صعدة، ليقاتلوا بأسلحة خفيفة حتى نفذت ذخيرتهم قبل أن يُقتل المئات منهم ويقع الآلاف في الأسر، تشير الوقائع أن هذه الخسائر كانت نتاج لسوء اختيار القيادات والحرص على النأي بالأجندة الوطنية من معارك كهذه.
ليس هذا فحسب، بل أن المئات من الذين باتوا يعرفون بمقاتلي الحد الجنوبي، واجهوا على مدى الأعوام الماضية، مصيراً سيئا كقتلى حرب لا يُعتنى بشهدائهم، أو جرحى بلا رعاية، ينتهي بهم المطاف إلى ترحيل مهين، إذ يتعين عليهم أن يخضعوا لإجراءات البصم والتوقيع، ويدخلون في نظام الهجرة كأشخاص مخالفين وممنوعين من دخول المملكة.
على المستوى الظاهري جرى التعامل مع المقاتلين في الحد الجنوبي كجيش وطني، لكن لا أثر لأسمائهم في كشوفات وزارة الدفاع اليمنية، ولا أثر لحقوق لهم في الوثائق الرسمية السعودية.
هذا التعامل غير اللائق دفع بالآلاف من هؤلاء المقاتلين إلى الاستجابة لنداء رئيس مجلس المقاومة الوطنية، بالعودة إلى معسكرات تعيد توزيعهم للقتال في جبهات استعادة الدولة التي دخل معظمها مرحلة التجميد المتعمد من قبل التحالف.
عاد المقاتلون إلى مأرب وعدد كبير منهم عاد إلى تعز مروراً بمعسكر يفرس لإعادة تنظيمهم وحفظ حقوقهم. لكن سرعان ما تداعت المنابر الإعلامية والشخصيات المنحازة لأجندة الثورة المضادة التي لطالما نالت من تعز وجيشها الوطني إلى إطلاق سهام الاتهامات ضد معسكر يفرس وشيطنته وملشنته.
هذا المستوى من فلتان الأعصاب الذي عبر عنه هؤلاء سببه الهزيمة التي لحقت بميلشيا أبو العباس الإرهابية، والفشل الذي واجهه مخطط تمكين مقاتلي العميد طارق صالح وفيهم المئات من القناصة الذين أثخنوا في قتل أبناء تعز وحصارهم.
أجندة أبوظبي تبدو على حالها من النفوذ الذي دفع بهذه الجوقة المعتادة لإطلاق سهام النقد على تعز وقواتها، وأجبر أحزاب جميعها، على توقيع بيان يصف إعادة تجميع قوات كانت تقاتل تحت مظلة التحالف بأنه تحشيد وتجييش خارج المؤسسة العسكرية.
أريد للأحزاب الاثني عشر وبينها الإصلاح، عبر بيان كهذا أن تساهم في توفير الذريعة لاستهداف تعز عبر النيل من قدراتها العسكرية، في وقت يستمر فيه التحشيد لاستهدافها من الجهات الأربع.
المفارقة في بيان الأحزاب، الذي صيغ في الأساس بإملاء إقليمي واضح أنه ذهب حد تخوين وتجريم ما يجري في معسكر يفرس، ليصل إلى النقطة الأكثر وضوحاً وهي عدم الرغبة في تعكير العلاقات مع التحالف العربي او الإساءة لأي من أطرافه.
وبسلوك مفضوح كهذا من جانب التحالف والأحزاب الخانعة، يتجلى معسكر يفرس شاهداً آخر على كارثية العلاقة القائمة بين الشرعية والتحالف، تماماً كشقرة ونقطة العلم ونهم، التي تحول فيها الجيش الوطني إلى قوات معادية لأجندة هذا التحالف.