حذرنا ونبهنا من اضراب المعلمين دون وعي نقابي وحقوقي ينظم ذلك الاضراب , ويضع البدائل والمخارج , لان الاضراب بحد ذاته مجرد وسيلة لا غاية , وسيلة ضغط تنبه الجهات المعنية بحقوق الناس , مع مراعاة ان تلك الحقوق مرتبطة بواجبات , ومن يفرط في واجباته يخسر قانونية حقوقه .
مهمة الاضراب محدودة , لا تتعدى كم يوم , هي مجرد وسيلة ضغط في اتجاه التفاوض مع الجهات المسؤولة , وهنا يأتي حنكت ومهارة المفاوض في انتزاع نسب من الحقوق و وضع مخارج , وسيلة ضغط قانونية , تسقط مجرد ما تفقد قانونيتها , وتفقد قانونيتها عندما تتحول لضرر عام , وتبدأ تشكل مصدر قلق على الواقع والمستقبل .
مشكلتنا في هذا البلد لا نهتم بالكفاءة والاختصاص , مجرد ما ان يشعر طرف بقدرة على اخضاع الناس , يخضعهم بل يقهرهم , ويفرض بالعنف عليهم قوى عدمية الكفاءة والاختصاص , ينشئ كيانات نقابية ومنظمات مدنية وحقوقية تفتقد للكفاءة والاختصاص والخبرة , تتميز بالحماس والتهور والتعصب له ولقناعاته , ومنفذ جيد لأجنداته , مش مهم قانونية وشرعية تلك النقابات , المهم انها تمثله وتنفذ مخططه , وبدلا من ان تكون حلا ومخرجا , تتحول لمشكلة ومعضلة , تزيد من حجم المعاناة وتأزم وتعقد المشكلات , في تسييس للواقع والمعاناة والازمات .
يمكن ان يتقبل الناس نقابة حتى وان فرضت عليهم , كما فرضت نقابات حزبية من السابق , المشكلة تكمن في من لا يقبل تداول الآراء مع الاخرين , ويجعل من قراراته محل اجماع ويراعي قانونيتها واخلاقيتها بحيث لا تضر المصالح العامة والحق العام والاخرين , تتحول كل قراراته وحماسه لعبء ثقيل على كاهله وكاهل المجتمع , يضعه في موضع لا يحسد عليه , بين الوعود والنتائج , واذا بالمتصلب بالراي واللامبالي بالتبعات والغير مهتم بالصالح العام لا يشعر بهذا العبء, فيستمر في غيه و اللامبالاة بالنتائج , فيزيد من حجم التراكمات وتعقيد المشكلات , ويفقد القضية عدالتها واخلاقياتها ,لتعطي الناس شعورا انههم مستهدفين و تستهدف حياتها ومستقبل اولادهم , بينما نحتاج لوعي وعقلانية تستشعر الخطر بالصالح العام , وتتنبه للغضب الشعبي الذي سيلعنها , والبدء بالتفكير بمخارج من المأزق , لأهمية بقاء القضية حية واخلاقية وعادلة .
لاشك ان المطالب عادلة واخلاقية , ولا خلاف ان في التعليم سحر نهضة الامم , وان المعلم هو باني تلك النهضة , جوهر المشكلة فكري واخلاقي اكثر مما هو مادي , المادة عامل مساعد , والفكر هو الاساس , والدولة التي ترعى هذا الفكر النهضوي , أي ان الخلل في القمع الفكري الذي لا يريد للتعليم ان يتعافى ولا للمعلم ان يلعب دور محوري في النهضة , لخوفه من تحرير العقل , وهذا القمع لا يمكن ان يرعى دولة ضامنة للفكر النير , قمع الثقافة القائمة اليوم , ثقافة الفكر الواحد وكراهية الاخر , ثقافة الاتهام والتخوين والتصنيف والفرز المناطقي والطائفي , ثقافة استغلال واستثمار المعاناة لأجندات سياسية وصراعات سلبية مدمرة .
المحامي الفاشل , قد يسبب خسارة موكله , ما حدث في مناطق سيطرة الحوثين من تصلب للراي وتعصب للمواقف , يدفع اليوم الموظف نتائجه , في فقدان الراتب , والمعلمين في تلك المناطق , يستلمون نصف راتب كل ستة اشهر , والشماعة الحكومة ,بينما النافذين كروشهم تتورم تخمة , والخوف ان تصل بنا تلك العقلية التي تصنع الازمات وتثير النزعات في عدن والمناطق المجاورة , لنفقد الراتب الحالي ,ومصدر التموين وحينها لن ينفع الندم .
انا لم استوعب اضراب في حالة غياب واضح للدولة حقيقية على الارض , في حالة بلد يبحث عن مخرج وتحول منشود , في ظل حكومة تسيير اعمال موقته , دون مراعاة لإمكانية البلد واولويات المسائل , اذا تحول سحر النهضة بيد مشعوذ , فلن يكون غير وصفة من الخزعبلات والطلاسم التي تسحر الناس , وهي تثير فيهم الفتن وتمزق اوصارهم , لهدف السيطرة عليهم موقتا لتنفيذ اجندات لا علاقة لها بأخلاقيات وعدالة القضية , وتعطل مسار التحول والدولة التي ننشد .
ومن ثم من المسؤول اليوم عن تعافي البلد ؟, واين تذهب ايرادات هذا البلد ؟ ولماذا تعجز الحكومة منذ خمس سنوات واكثر في اعداد موازنة تستوعب كل تلك الاستحقاقات؟ منذ حكومة بن دغر , نحتاج لشفافية في الطرح والتحليل العقلاني لنصل لجوهر الخلل ونبني حلول منطقية , فالبلد صار وحل من الفساد الكل غارق فيه وبدعم التحالف نفسه .
نريد ان نرى النزاهة والبراءة , بحكم السيطرة على الارض , والقوة التي ترفع اليوم ويهدد بها , نريد برهان واقعي عن المسئولية , بدلا من الضغط على حكومة فاسدة , اضغطوا باتجاه ضبط ايرادات الدولة وتفعيل مواردها , لتصب في موازنة عامة تستوعب تلك الاستحقاقات , بتفعيل مؤسسات دولة كانت رقابية ومحاسبية وتنفيذية , دون اي تفريخ لمؤسسات خاصة تراقب الاخر وتغظ الطرف عن فساد ومساوئ المسيطر , ليعرف الناس من هو الفاسد الحقيقي , وهم يشاهدون استثمارات ومباني تعمر وكروش تثخن وخدود تتورم ونعمة تبرز بليلة وضحاها .
استعباط عقول الناس مثير لغضبهم ومستفز لحريتهم , فهم على علم بشرفاء مكة من سعيد اليهودي , في واقع يعيشونه .