يبدو أن السعودية تواجه وضعاً معقداً إلى حد ما في العاصمة السياسية المؤقتة لليمن، عدن، التي غادرتها الحكومة الشرعية منتصف آب/ أغسطس من العام الماضي، تحت وقع انقلاب محسوب بالكامل على التحالف السعودي الإماراتي.
فالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات انسحب مؤخراً من اللجان المكلفة بتنفيذ اتفاق الرياض الموقع بالعاصمة السعودية في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي.
هذا الانسحاب يمثل امتداداً لحالة متواصلة من التمنع الميداني من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي؛ عن تنفيذ الشق العسكري والأمني من اتفاق الرياض، شملت رفض سحب وحداته العسكرية من محافظتي عدن وأبين، وتسليم الأسلحة، بل وصل به الحال إلى منع اللجنة المشتركة التي تضم ضباطاً سعوديين من دخول معسكراته في عدن على وجه الخصوص.
وأخيراً، رفض تنفيذ خطة للتحالف الذي تقوده السعودية لإحلال قوات أمنية جديدة معظم جنودها وضباطها من أبناء عدن لتتولى حماية المطار الدولي في المدينة، ورفض سحب قوات الأمن المتواجدة حالياً في المطار، والتابعة لإدارة شرطة عدن بقيادة مديرها المقال اللواء شلال شائع، والتي ينتمي معظم جنودها وضباطها لمحافظة الضالع، مسقط رأس عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي.
ثمة سلوك مزدوج تمارسه السعودية لاحتواء ما يمكن وصفها بالأدوات الإماراتية في عدن، وأهمها بالطبع المجلس الانتقالي وتوابعه العسكرية والأمنية. فقد بدأت بالتضييق على قيادات المجلس، ومنعت عدداً من هذه القيادات من العودة إلى عدن، وبالأخص رئيس وأعضاء فريق التفاوض بشأن اتفاق الرياض، والذين سلكوا طريقاً مموهاً للوصول إلى عدن انطلاقاً من أبو ظبي مروراً بالعاصمة الأردنية عمان.
أُبلغت هذه القيادات من قبل سلطات مطار الملكة علياء الدولي، بأن السعودية رفضت منح التصريح للطائرة الخاصة التي وضعتها الإمارات تحت تصرف الفريق المفاوض، وكان يفترض أن تقلهم إلى عدن. واللافت في الأمر أن من بين هذه القيادات اللواء شلال شائع، الممنوع من العودة إلى عدن باعتباره أحد الشخصيات التي يمثل إبعادها عن مسرح التأثير أحد متطلبات اتفاق الرياض.
خلال الأيام الماضية انتهت السعودية من تدريب الوحدات العسكرية والأمنية المكلفة بحفظ الأمن في مطار عدن، في أحد معسكراتها الواقعة جنوب المملكة، لكن عملية إحلال هذه القوات يبدو أنها تشكل تحدياً حقيقيات أمام الرياض، ويعود السبب إلى أن رفض المجلس الانتقالي يحول دون تنفيذ الاتفاق بتعاون كل الأطراف، وهذا دفع بالسعودية على ما يبدو لتطبق الاتفاق بالتدريج ومن طرف واحد.
قوبلت خطتا منع القيادات الانتقالية من العودة إلى عدن ومحاولة إحلال قوة أمنية جديدة في مطار الدولي للمدينة، بغضب كبير من المستويات الوسطى والقيادات العسكرية والناشطين المحسوبين على المجلس الانتقالي، وتجلى هذا الغضب في هجوم مباشر على السعودية التي وصفها البعض بـ"إسرائيل الصغرى"، وهو توصيف لطالما ألصق بالإمارات.
تحول السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر إلى إطفائي، عبر تغريدات قلل من خلالها من أهمية الأنباء التي يتم تداولها بشأن الخطوات التصعيدية المتخذة من حكومة بلاده تجاه المجلس الانتقالي وبشأن إحلال قوات جديدة في مطار عدن، إلا أن مواقف السفير ورغم الثناء عليها من قيادي مثل هاني بن بريك، الرجل الثاني في المجلس الانتقالي، لم تنجح في تهدئة الغضب الذي يسود أوساط أنصار الانتقالي، ومعظمهم يتواجد افتراضياً في شبكة الإنترنت.
وما ينبغي التدقيق عليه في سياق هذه المواجهة بين الرياض والانتقالي الجنوبي، هو أنها تعبر في أحد مظاهرها عن تصادم إرادات بين الرياض وأبو ظبي.
فالرياض تحاول أن تقوض على ما يبدو النفوذ الإماراتي الذي تأسس على معالجات تحمل طابعاً تصادمياً مع الأهداف المعلنة للتدخل العسكري للتحالف، وتذهب نحو تكريس انفصال الجنوب عن الشمال، وتوفر للإمارات فرصة كبيرة لتحقيق أهدافها الجيوسياسية الخاصة، وتمد معركتها العبثية ضد أعداء كثر، بينهم أطراف أساسية في الشرعية.
والأمر هنا لا يتعلق بحسن نوايا السعودية تجاه المملكة، بل برغبتها في التصرف الكامل بمصير الدولة اليمنية، دون شراكة متكافئة كالتي كرستها أبو ظبي طيلة السنوات الخمس الماضية من زمن الحرب، خصوصاً في المحافظات الجنوبية لليمن.
لذا لا يمكن لأحد في ظل هذا التعقيد أن يتوقع نجاحاً سهلاً للسعودية في مهمة ترويض الأدوات الإماراتية، خصوصاً إذا مضت الرياض قدماً في خلق واقع جديد يقوم على سحب البساط التدريجي من تحت أقدام المجلس الانتقالي، عبر تجريده من الصلاحيات الأمنية والعسكرية الواسعة التي يتمتع بها حالياً في عدن.
لكن من الثابت أن الانتقالي الذي يستمد وجوده واستمراره من الدعم المفتوح الذي تقدمه الإمارات، لم يعد هذا الدعم له متاحاً بمستوياته السابقة، بل محدوداً ومقتصراً على القيادات والحلقات النافذة في المؤسستين الموازيتين العسكرية والأمنية.
وهذا الأمر تكشف عنه كل يوم شكاوى من عدم صرف المرتبات، بالإضافة إلى أن سلطة الأمر الواقع التي أسسها الانتقالي وقفت عاجزة أمام تلبية احتياجات الناس الخدمية، حتى أن قادة الانتقالي شكوا علانية من سياسة السلطة الشرعية واتهموها بأنها لا تقوم بواجبها في صرف المرتبات والنفقات التشغيلية، وهذا الأمر قد يبقي الانتقالي مجرداً من الإسناد في أي مواجهة محتملة قد تدعمها الرياض للإطاحة بنفوذه في عدن.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "عربي21"