هل تفاجأت السعودية بالخطوة التي أقدم عليها المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات في السادس والعشرين من هذا الشهر، وقضت بالبدء الفوري في تطبيق ما تسمى "الإدارة الذاتية للجنوب"؟
من المهم جداً الحصول على إجابة واضحة وكافية وشافية على هذا السؤال من أجل أن يتسنى لنا استكشاف الحدود القائمة بين الموقفين السعودي والإماراتي بشأن المواقف التي صدرت وتصدر عن المجلس الانتقالي باعتباره منتجاً إماراتيا بامتياز وإنجازاً سياسياً تم برعاية وتمويل إماراتيين وتغاضي لا ندري إن كان قد نمَّ عنْ رضىً أم عن عدم اكتراث من الجانب السعودي.
ذهب المجلس الانتقالي بقراره الأخير هذا إلى الحد غير المسموح به مطلقاً، فقد قطع مع كل الجهود التي كانت تبذلها السعودية لترتيب تسوية تفضي إلى تقاسم نفوذ في مدينة عدن بين السلطة الشرعية وهذا المجلس، بما يحمي الموقف السعودي من التداعيات التي ستنشأ فيما لو أصبحت السلطة الشرعية خارج المسرح السياسي اليمني بعد أن تم تقويضها وطردها من المناطق المحررة في الجنوب، وبعد أن تم تشديد الضغط العسكري على مناطق نفوها العتيدة في كل من مأرب، وتعز.
وعلينا الأخذ بعين الاعتبار أن محافظات كبيرة من حيث المساحة كحضرموت والمهرة وشبوة، إلى جانب محافظة سقطرى، الأرخبيل الواقع بين خليج عدن والمحيط الهندي وبحر العرب، تخضع مواقفها من الانتقالي وقراراته لاعتبارات أخرى جهوية وإقليمية، إلى جانب أنها تقع عملياً تحت النفوذ العسكري السعودي الإماراتي أكثر من كونها تعبر عن حالة ولاء ثابتة للسلطة الشرعية المتواجدة في الرياض.
من الواضح أن الإمارات هي التي أوجدت الوضع الناشء في عدن، رغبة منها في حماية المجلس الانتقالي وأدواته العسكرية من الذوبان في كيان الدولة اليمنية تأسيساً على اتفاق الرياض الذي رعته السعودية واعتبرته أهم إنجازاتها ووظفت نفوذها الدولي والإقليمي لحشد التأييد له، خصوصاً أنها تراهن على هذا المجلس وأدواته في بقاء نفوذها في الجنوب.
تغريدات وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، التي يفترض أنها جاءت للتأكيد على أن الامارات جزء من الإرادة السياسية التي صاغت بيان التحالف فإن المسؤول الإماراتي القريب من محمد بن زايد، دس في تغريداته كثيراً من السم، حينما تعمد أن يبرر لموقف الانتقالي الذي قال إنه "جاء نتيجة إحباط من التأخير في تنفيذ اتفاق الرياض".
وخطورة تلميح كهذا تكمن في أنه يمس المسؤولية المباشرة للملكة على تنفيذ اتفاق الرياض، فالمملكة تستطيع أن تمارس الضغط على السلطة الشرعية المقيمة لديها لتنفيذ الاتفاق، وذلك على فرض أن الذي يعارض تنفيذ الاتفاق هي السلطة الشرعية وليس المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات الذي رفض رفضاً تاماً تنفيذ الشق العسكري والأمني في اتفاق الرياض أو حتى التزامن في التنفيذ بين الشقين العسكري والسياسي وكل ما كان يركز عليه هو تعيين محافظين ومديري أمن يطمئن إليهم في الجنوب حتى يضمن موقفاً مؤيداً أو حتى مائعاً من خطوته التي اضطر إلى اتخاذها مؤخراً والقاضية بفرض الإدارة الذاتية للجنوب.
لم تتضمن تغريدات قرقاش الثلاث صيغة واضحة ومباشرة ترفض قرار الانتقالي أو تطالب بالتراجع عنه، وهنا يمكن أن نستكشف في إطار هذا الموقف الضبابي بعض المعالم الباهتة للحدود الفاصلة بين الموقفين السعودي والإماراتي.
غير أن أكثر الدلائل وضوحاً على أن الرياض ربما تبدو غير مستعدة لتحمل الأعباء المبشارة للمخططات الإماراتية في عدن، تتمثل في ردود الأفعال التي بدأت تتوالى من أطراف عرفت بوقوعها تحت دائرة النفوذ السعودي وبالأخص الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، بالإضافة إلى مواقف دول عربية لم تر غضاضة في تأييد بيان التحالف، وأن تتساوق على الأقل مع موقف الإمارات نفسها التي صدر قرار الإنتقالي من عاصمتها أبوظبي حيث يتواجد رئيس المجلس الانتقالي ونائبه وعدد آخر من قيادات المجلس فيها حتى اليوم ويواجهون صعوبة في العودة إلى عدن.
وهذا يقودنا إلى اعتبار عدم عودة هذه القيادات إحدى الدلائل على أن ثمة حدود تفصل بين الموقفين الإماراتي والسعودي، والأمر في تقديري لا يتعلق بافتراق الأجندات، بل بطموح الإمارات ورغبتها في عدم التخلي عن مكاسبها وعن قدراتها التي توفرت لديها طيلة الخمس السنوات الماضية للتأثير في الساحة اليمنية خصوصاً في جنوب البلاد وغربها حيث ينتشر الآلاف من الجنود الذين دربتهم الإمارات ولا يزالون يعملون وفقاً للأجندة التي تمليها عليهم أبوظبي.
وهذا الطموح لا شك أنه يغرق السعودية التي لا تستطيع أن تتخذ الخطوة الإماراتية نفسها أي اعلان الانسحاب مع الاستمرار في ممارسة التأثير على مجريات الأحداث دون تحمل تبعاتها، لأن الموقع الجيوسياسي للمملكة لا يسمح لها باتخاذ مثل هذه الخطوات لان النتيجة المباشرة ستكون الهزيمة التي تضع نهاية لنفوذها الإقليمي وربما لوجودها في شبه جزيرة العرب.
نقلاً عن موقع " المهرية نت "