لست أدري ما هي المشاعر التي تحضر القيادات السياسية التي تجتمع حالياً تحت مسمى الشرعية في أحد الفنادق الفارهة في العاصمة السعودية، لإقرار صيغة جديدة من اتفاق الرياض، وهي ترى النهايات الكارثية التي سوف تتسبب بها صيغة كهذه.
هذه القيادات منقسمة على نفسها بالتأكيد، وأقرب هذه القيادات إلى تبني مشروع استعادة الدولة اليمنية كما صاغها مؤتمر الحوار الوطني الشامل يدرك جيداً ما تهدف إليه السعودية من وراء فرض صيغة جديدة من اتفاق الرياض، وما تهدف إليه من وراء الترتيبات المنفصلة للوضع في جنوب اليمن.
إن تسوية الملعب السياسي في الجنوب لصالح لاعب وحيد هو المجلس الانتقالي، وتمكينه وفقاً لاتفاق الرياض الجديد من الاستحواذ على القرار السياسي في السلطة الشرعية، ليس إلا خطوة تأسيسية تسبق على كل حال الترتيبات النهائية التي تنحو إلى وضع مستقبل اليمن رهن قوى أمر واقع سيئة ومضادة لليمن ووحدته وجمهوريته.
لقد سارعت مجموعة الأزمات الدولية إلى حث الأمم المتحدة على تأسيس مفاوضات سلام جديدة متعددة الأطراف، في إشارة إلى قوى الأمر الواقع التي أنتجتها السعودية والإمارات، وتلك التي تدعمها إيران بعد تمكينها على كافة المستويات السياسية والعسكرية، بإمضاء وتحت أنظار شرعية بلا إرادة أو حساسية أو خيال.
المجتمعون في الرياض يدركون جيداً أن الشعب اليمني يرقبهم باهتمام ولديه توقعات سيئة بشأن ما سيتوصلون إليه من نتائج سياسية، ويعلم أن الهدف هو تمكين المجلس الانتقالي الجنوبي من السيطرة السياسية والعسكرية والأمنية على الجزء الجنوبي من البلاد، كما جرى من قبل تمكين الحوثيين وشريكهم صالح في شمال البلاد.
فلا يظنوا أنهم سيمررون ما تريده منهم السعودية، دون أن يترك ذلك أثراً يدفع بالشعب إلى قلب الطاولة، خصوصاً أن لدى هذا الشعب الكثير مما يمكن عمله لسحب البساط من تحت أقدام من اعتقدوا أنهم أوصياء على القرار الوطني.
ومن ضمن النزر اليسير مما رشح عن مشاورات الرياض، ما يُقال عن أن مستشاري الرئيس منقسمون من حيث مستويات التأثير على الموقف الرئاسي، فمعظم المستشارين الجنوبين باتوا يطالبون صراحة بعدم التعامل مع المجلس الانتقالي باعتباره كيانا سياسيا وعسكريا متمردا، بل طرفا سياسيا، بغض النظر عن الطريقة والأدوات التي حاز بها المكاسب السياسية.
إذن لا يختلف اثنان على أن مكاسب الانتقالي هي في المقابل تمثل خسارة فادحة للشرعية، ورسالة بالغة الوضوح من التحالف السعودي الإماراتي مفادها أن تدخله العسكري لم يكن ولن يكون لتمكين السلطة الشرعية الموجودة في الرياض أو الإبقاء على الدولة اليمنية، بل استهدافهما معاً عبر هذه السلسلة من الترتيبات التي تأخذ شكل مواجهات مسلحة وتمردات وانقلابات ومن ثم تسويات وتنازلات.
قيادات الشرعية، وخصوصا التي تنتمي إلى الشمال، تواجه حملة شيطنة قوية بالتزامن مع مشاورات الرياض، تصل حد الإساءة والتجريح وقذف الأعراض، والتي يقوم بها أشخاص مرتبطون باللجنة الخاصة السعودية المعنية بملف اليمن، وهي وحدة استخبارات تتحكم بالشرعية وتملي عليها قرارات الطرف السعودي.
لقد حرصت الرياض وأبو ظبي على تجميع أكبر عدد من هؤلاء الشتامين في حظيرة واحدة شديدة القذارة، ولا سقف للبذاءات التي يوجهونها للشخصيات والمواقع الكبرى في الدولة اليمنية وللجيش الوطني وللأحزاب، وبالأخص التجمع اليمني للإصلاح.
الأمر له علاقة بمخطط يقضي بتحييد كل هؤلاء على الرغم من انصياعهم للإملاءات السعودية، لأن الأولوية السعودية القصوى اليوم وفقاً لهذا المخطط، هي هدم الدولة اليمنية، والخطوة الأولى في هذا الاتجاه هي تفتيت السلطة الشرعية وإعادة هندستها وحقنها بقيادات مناهضة للدولة اليمنية ومتشاكسة، وأجندات متباينة كلياً، لتصبح هي الشرعية التي سيضع التحالف كل ثقله العسكري والاقتصادي لدعمها ضمن خطة مرحلية تسمح بتمرير ما صعب تمريره خلال السنوات الماضية من عمر السلطة، رغم ظروف الاحتجاز القسري في الرياض.
وفيما تمضي الحكومة السعودية في إدارة مشاورات الرياض، تبقى الأمم المتحدة على مسافة بعيدة من هذا الجهد، الذي تباركه ضمن تخادم بات يأخذ أبعادا شخصية بالنسبة للمبعوث الأممي؛ الذي يريد أن يحقق إنجازاً دبلوماسياً حتى لو كان على النقيض من كل القرارات الدولية والتأكيدات التي قطعها المجتمع الدولي باحترام الدولة اليمنية ومساعدة اليمنيين على استئناف عملية سياسية تأسيساً على المرجعيات الثلاث، ومن بينها قرارات مجلس الأمن.
لقاء واحد أجراه المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث خلال وجوده في الرياض مع رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، لكنه لم يقدم دليلاً على أن المبعوث الأممي يساهم بشكل أو بآخر في الترتيبات السعودية، سوى أنه يتخادم ويرغب في تنفيذ مقترحه للتسوية متعددة المسارات السياسية والأمنية الإنسانية، والذي كشف عنه منذ اليوم الأول لتولي مهام منصبه قبل أكثر من عامين ولم ينجح في تحقيقه حتى اليوم