قد لا يبدو اليمن بعيداً عن التطورات المرتبطة بآخر المغامرات التي أقدم عليها ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وتمثلت في الإعلان عن بدء الخطوات العملية لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الكيان الصهيوني في غضون الأسابيع المقبلة.
فقد عكست ردود الفعل الصادرة عن الأوساط السياسية والاجتماعية والشعبية في اليمن تجاه الخطوة الإماراتية؛ نبل الاصطفاف من جانب طيف مؤثر من الوسط السياسي والاجتماعي اليمني.
وكشفت في الآن ذاته عن بؤس ارتهان أدوات أبوظبي السياسية والعسكرية، التي تؤدي منذ سنوات دوراً وظيفياً خطيراً، يهدد في غاياته النهائية كيان الدولة اليمنية والنسيج الوطني الذي تم ترميمه بحماس شديد في الثاني والعشرين من أيار/ مايو 1990، بإعادة تحقيق الوحدة اليمنية.
سارعت أدوات أبوظبي، وهي جزء أساسي من قوى الأمر الواقع التي جرى تثبيتها في جنوب البلاد وغربها، إلى الترحيب بحماس منقطع النظير بالموقف الإماراتي المطبع مع كيان غاصب وعدائي وعنصري.
ولعل أهم من يمكن الإشارة إليه في هذا السياق، الجهادي المدخلي هاني بن بريك، وهو نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، والمتواجد حالياً في العاصمة السعودية.
فقد وصف ابن بريك الخطوة الإماراتية بـ"القرار الشجاع من قائد حكيم"، وبدا في معظم تغريداته حمامةَ سلام، ورجْع صدى للتغريدات المأذون لها من حاكم أبوظبي القوي، محمد بن زايد.
وأشير كذلك إلى العميد طارق صالح، نجل شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي يتولى قيادة حراس الجمهورية، وهو تشكيل مسلح يتكون من بقايا الحرس الجمهوري السابق..
فقد أشاد بالخطوة الإماراتية التي تمت في العلن، وبأثرها على السلام في المنطقة، وهي الكذبة الكبرى التي تسوقها أبوظبي وهي تحاول أن تعطي لنفسها دوراً حاكماً في قضية العرب والمسلمين المركزية: فلسطين..
الموقف التقليدي للمكونات اليمنية من الكيان الصهيوني إلى ما قبل حالة الانقسام التي أحدثها واستثمر فيها تحالف دعم الشرعية، المتمثل في السعودية والإمارات، كان يُجمع على نبذ التطبيع وعلى مناصرة الحق الفلسطيني في استعادة الدولة وعاصمتها القدس، ويناهض الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية.
ومع ذلك لا ينبغي أن ننشغل فقط بطبيعة التأثير الذي مارسته أبوظبي على أدواتها ودفعتها عبره إلى تبني مواقف علنية مؤيدة لقرارها في التطبيع مع الصهاينة، لأن هذه الأدوات هي في الواقع استثمار مشترك سعودي إماراتي.
والدليل على ذلك أن معظم التشكيلات العسكرية وحتى القيادات السياسية تتألف في غالبيتها من عناصر سلفية مدخلية متشددة، تَربَّتْ على عقيدة طاعة ولي الأمر ونبذ السلوك المدني ومبادئ الدولة الحديثة.
وفيما كان التسلسل القيادي لهذه التشكيلات العسكرية والهياكل السياسية مرتبطاً بالقرار الإماراتي عندما كانت رحا المعارك تدور في الساحل الغربي للبلاد، كانت هذه التشكيلات تتقاضى مرتباتها بالريال السعودي، وهذا يعني أن السعودية لها ضلع في إحداث هذا التحول في بنية الوعي ليكون أكثر قابلية للتعامل مع وضعية التطبيع الجديدة والمعلنة مع الدولة العبرية.
ويقيني أن ولي عهد أبوظبي، الذي سطا على إرادة حكام الإمارات وعلى إرادة الشعب الإماراتي، تكامل بشكل كبير جداً مع الإرادة السعودية القلقة والمتوجسة من مستقبل العلاقة مع واشنطن.
لذا أظهرت الرياض القدر ذاته من الحماس الذي لدى ولي عهد أبوظبي، نحو التسريع في التطبيع المعلن مع نتنياهو، وذلك لحاجة ولي العهد السعودي إلى تحصين سلطته المهددة بالسقوط في أية لحظة، في حال أسفرت الانتخابات الأمريكية المقرر إجراؤها في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل عن فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، خصوصاً أن ابن سلمان، مطلوب قضائياً لدى المحاكم الأمريكية في تهمة التخطيط لاغتيال معارض سعودي بارز، هو سعد الجبري.
لذا أراد ولي عهد أبوظبي ومن خلفه ولي العهد السعودي، مقايضة ترامب ونتنياهو عبر التسريع في إقامة العلاقات، في مرحلة تغلي فيه الشعوب العربية من تأثيرات الثورة المضادة التي تتلقى تمويلاً سخياً من أبوظبي والرياض، بكل ما مثله ذلك من تقويض لأحلام الديمقراطية والاستقرار والازدهار التي بشرت بها ثورات الربيع العربي.
إن اندفاع الأدوات الإماراتية والسعودية في اليمن نحو تثمين خطوة أبوظبي التطبيعية وتأييدها، مرتبط بحاجة التحالف العسكري الثنائي إلى التخفيف من انعكاسات خطوة كهذه على مخططهما؛ الذي يمضي حتى الآن بسلاسة باتجاه تحقيق أهداف في غاية الخطورة في اليمن، منها تفكيك الدولة اليمنية والسيطرة على مقدراتها، والاستيلاء المباشر على إمكانياتها ومزاياها الجيوسياسية، حيث يمثل السلوك السعودي الإماراتي في كل من سقطرى والمهرة أبرز مثالين على هذا التوجه التخريبي الخطير.
ومع ذلك لا يمكن التقليل من الانعكاسات السلبية الخطيرة لخطوة التطبيع الإماراتية مع الكيان الصهيوني، معززةً بالمظلة الإعلامية والسياسية السعودية، خصوصاً على مواقف الذين ظلوا مخدوعين بالدوافع العربية والإسلامية النبيلة التي يتظاهر بها البلدان؛ وهما يديران الخراب في اليمن وفي غيره من بلدان الربيع العربي.