على مدى خمسة أعوام تحولت محافظة سقطرى إلى ساحة مواجهة غير متكافئة؛ بين الدولة اليمنية التي تقودها شرعية غير متماسكة، وبين التحالف بشقيه السعودي الإماراتي. لم يكن مفاجئاً أن تُحسم المواجهة لصالح الدولتين، قبل أن تتحول إلى مواجهة بين الحليفين؛ يبدو بسببها الوجود العسكري السعودي أقرب إلى فقدان المكانة والنفوذ.
التطورات الدراماتيكية المتلاحقة تقود الوضع في أرخبيل سقطرى إلى ما يشبه المغامرة التي لا تحتمل سوى النهايات الخطرة للغاية، بعد أن سارعت الإمارات إلى البدء باستثمار صفقة التطبيع مع الكيان الصهيوني في جر هذا الأخير إلى لعبة النفوذ المفضوحة في الأرخبيل اليمني، في خطوة ليست موجهة ضد الجمهورية اليمنية فحسب، بل أيضاً ضد السعودية نفسها وضد الأمن القومي العربي بشكل عام.
قد يبدو تصنيف السعودية كطرف مستهدف من الزج الإماراتي بالكيان الصهيوني في سقطرى، ضرباً من السذاجة في التحليل، خصوصاً أن السعودية ومن خلال قوة الواجب التابعة لها في سقطرى لا تزال تهيمن على المشهدين العسكري والأمني هناك، وهي من يغطي على التحركات الإماراتية والإسرائيلية، إلى حد بدا معه هذا الأرخبيل مغلقاً على سيطرة إماراتية كاملة، وفقاً لمصدر حكومي تجاهل عن قصد أن الأرخبيل أيضاً تتحكم به قوة سعودية وتحلق في سمائه طائرات حربية سعودية.
لكن دعونا نتأمل في سلسلة الاحتجاجات التي ينظمها أبناء سقطرى منذ الانقلاب على سلطتها المحلية، من قبل المجلس الانتقالي المدعوم من الامارات وتحت أنظار السعودية.
فقد لفتت نظري وقفةٌ نظمها العشرات من سكان مركز "قبتهن" الواقع إلى الغرب من جزيرة سقطرى، كبرى جزر الأرخبيل، وفيها أكدوا رفضهم المطلق لمحاولات الإمارات إنشاء معسكرات في الأرخبيل يتواجد فيها إسرائيليون.
فبينما هاجم المحتجون الإمارات، تضمن بيانهم عبارات ودية تجاه السعودية التي طالبها بإعادة صرف مكرمة مالية كانت تقدم لمنتسبي القطاعات العسكرية والأمنية، في بداية ترسيخ أقدامها العسكرية هناك، كما طالبوا بتسيير رحلات طيران من السعودية.
لا يمكن تجاهل ما تكشف عنه إشارات كهذه من وجود للتأثير السعودي في أجندة الاحتجاجات التي يسودها الرفض المطلق للهيمنة الإماراتية. وهذا يعني أن السعودية، وهي قائدة التحالف، مضطرة على ما يبدو إلى أن تمارس هذا النوع من سياسة الضرب من تحت الحزام ضد شريكتها، لتفادي ردة فعل مُضرة من جانب أبوظبي التي تندفع بسرعة الصاروخ باتجاه بناء تحالف متعدد المسارات مع الكيان الصهيوني لتعزيز مكانتها الإقليمية، ولتفادي النتائج السلبية لتبدل السياسات في واشنطن.
أضف إلى ذلك أن ولي العهد السعودي الذي يواجه تحديات هائلة في طريقه لبلوغ السلطة في بلاده، لا يزال في أمسّ الحاجة للإبقاء على تحالفه مع أبو ظبي وشبكة تحالفاتها القديمة والجديدة، والمكانة التي حازتها كدولة موثوقة لدى الغرب، بفضل سلسلة كبيرة من التنازلات التي قدمتها في سبيل الحصول على هذه المكانة.
لا تزال السعودية في ظل نفوذ محمد بن سلمان بحاجة إلى المزيد من الخطوات التي تعيد تكييف الدولة مع متطلبات الاندماج في تحالف يتجاوز كل الحدود مع الغرب، رغم كل الإجراءات الجريئة التي تكاد أن تغير وجه المملكة السياسي والثقافي والديني.
فقد بدا محمد بن زايد أكثر راديكالية في تعويم الهوية الإماراتية، بحيث لا تبدو إسلامية مطلقا، الأمر الذي جعل الإمارات تبدو متطرفة في تسخير فائضها المالي الضخم وجهدها العسكري والأمني لمحاربة الربيع العربي والديمقراطية وحرية الشعوب، وإجهاض النجاحات السياسية التي حققتها التيارات الإسلامية في معركة الديمقراطية الناتجة عن ثورات الربيع العربي، وفي تبني سياسة احتواء متشددة في الداخل الإماراتي نفسه.
فقد مارست الأجهزة الأمنية الإماراتية، وتحت الإشراف المباشر لمحمد بن زايد، أعمال قمع وتنكيل لا هوادة فيها ضد كل الناشطين الإسلاميين الإماراتيين والمقيمين كذلك، والزج بهم في السجون، في مقابل التسهيلات التي قدمتها حكومة محمد بن زايد للأديان الأخرى، السماوية وغير السماوية.
لا أحد يمكنه أن يتجاهل أن للسعودية مصلحة في تجريف نفوذ السلطة الشرعية في محافظة أرخبيل سقطرى، فهي التي كبحت جماح الإمارات التي اندفعت في ربيع العام 2018 نحو تجريب قدراتها العسكرية في الأرخبيل؛ الذي كان يزوره رئيس الحكومة السابق الدكتور أحمد عبيد بن دغر على رأس وفد حكومي رفيع المستوى.
لقد أمسكت الرياض بزمام المبادرة ونجحت في تهيئة كل الظروف لاحتواء القوة العسكرية الضاربة التابعة للشرعية، والمتمثلة في اللواء الأول مشاة بحري، والاستحواذ على أسلحته، وهي أهداف تحققت بالكامل في العشرين من شهر حزيران/ يونيو الماضي، بتمكين المجلس الانتقالي من السيطرة على الأرخبيل بفضل التغير المتدرج للولاءات من قبل قائد اللواء وقادة الكتائب، والذين انحازوا لصالح المجلس الانتقالي تحت أنظار قوة الواجب السعودية وتسهيلات كاملة منها.
لكن النتيجة هي أن الإمارات أحدثت اضطراباً في الحسابات السعودية، وتبديداً لأهدافها، وهذا جاء نتيجة التحامها بالأجندة العسكرية الصهيونية، على نحو يعبر بوضوح عن حضورها في سقطرى كقوة مؤثرة وحقيقة لا يمكن أن يساهم الوجود العسكري السعودي المأزوم في تجاهلها؛ إلا إذا تصرفت الرياض ضمن السياق الطبيعي للأمور، أي من خلال إعادة تمكين السلطة الشرعية وأدواتها وعساكرها وسلاحها في سقطرى اليمنية، وهو أمر ممكن وسهل التحقيق.