الإنسان هو القيمة الأولى التي ليس فوقها قيمة، وتبدأ نهضت الأمم باستثمار الإنسان، بالتعليم والثقافة وصقل المهارات ودعم وتشجيع الطموح، بالنمو الطبيعي للإنسان المنضبط قيما وأخلاقيات، منضبط بنظام وقانون، يضبط إيقاع حياته وعلاقاته، بحيث لا ضرر ولا اضرار، الإنسان الإيجابي الدافع بالحياة نحو الاستقرار والنماء والنهضة والتطور واللحاق بالأمم التي سبقتنا، الإنسان القادر على المنافسة بالعلم والابتكار والاختراع، والقادر على فرض واقع يخدم تطلعاته وطموحه، وترسيخ الدولة والنظام الملبي لذلك، وتجاوز المعيقات.
نحن من نصنع الظروف لا تصنعنا، والفاشل هو من يتذرع بالظروف الموضوعية، وهو عاجز ذاتيا، مجرد ورقة محكومة بحركة رياح تلك الظروف التي بالضرورة محكومة من طرف آخر، يحيك مؤامراته بجذب جزءا من الإنسان، ويلعب على المزاج والكيف، في تخدير للذات بكم شعار وتسويق الوهم السيطرة والتمكين، بأدوات انشائها بعناية لخدمة أجندته، يضع السم في العسل، والفخ في الطريق، في نهاية خذلان فيها القانون لا يحمي المغفلين.
نحن نسير منذ الاستقلال من الإمامة والاستعمار، الى ملاحم دموية ضحيتها الإنسان والأرض، الإنسان الذي اعد نفسياً وفكرياً للانتقام، مشحون عنف وكراهية في تربيته وتنميته، في وسط اجتماعي متناحر، فيه من التراكمات والجروح ما تبرر لاستمرار نزيف الدم.
قوى العنف تدرك أهمية السلمية في تسريع عملية التغيير وبتكلفة اقل بكثير، وتعرف جيدا نهايتها المخزية في معركة السلمية، حيث تتوقف دائرة العنف، ويتأزر الناس بقوة القيم والأخلاقيات، حيث الاصطفاف المعادي للعنف وأدواته، السلمية وسيلة ناجعة لحفظ القيم والأخلاقيات.
سقطت فكرة الوحدة اليمنية والتعددية السياسية والديمقراطية، في وحل العنف والانتهاكات، لأنها لم تجد الإنسان الواعي والمدرك للفكرة ذاتها، والقادر على حمايتها ورعايتها وتبنيها وترسيخها على الأرض، بل تركت للعبث، وحصد المزيد من العصبية والاصولية والغلو، فنمت في حضنها فيروسات التدمير الذاتي، فتأكلت الفكرة من الداخل، اشترك الكل في معركة تدمير الوحدة والتعددية والديمقراطية، وها نحن نحصد نتائج هذا التدمير على الواقع، وعاد شعار (من تحزب خان ) يسمع وبتأييد قوى كانت تقدمية وتدعي الليبرالية، وعادت تتخندق ليرقاتها الأولى حيث العصبة والعقدة التربوية والثقافية.
رغم سيطرة قوى العنف، والكم الهائل من المال المنثور لتغيير ثقافة وأخلاقيات الناس، وتوظيف بعض المصلحين، أكاديميين وأدباء ومثقفين وكتاب، ومحللين على الاثير من خلف الحدود الجغرافيا المهدورة، وهم يبررون هذا السقوط والانتهاك المسيء للإنسان والفكر، مسيء للقضية والعدالة والحرية والمساواة.
برز الأمل في تكاثف الجماهير مع المغدور به عبدالله الأغبري في صنعاء، تكاثف يحفظ للمجتمع ارثه الأخلاقي والقيمي، وبروز بادرة خير من منظومة أمن سلطوي كنا قد فقدنا الأمل منها حيث سيطرة النفوذ الطائفي والمناطقي والتمايز والبغي لفئة على فئات، امل سرب فيديو أثار حفيظة أمة كادت ان تفقد تماسكها، وهي اليوم ترغم قوى العنف على اتخاذ موقف أخلاقي.
أي عقل فطن لا يقبل أن يضع نفسه مثال سيئ نكاية بسيئ، ويبرر معاركه العبثية، وخطابه النتن، والانتهاك وسفك الدماء، وتوظيف محاربة الفساد للإفساد، والإرهاب للإرهاب، مما زاد من حجم الفساد والإرهاب معا، حيث قانون القوة، وغياب تام لقوة القانون والنظام والقيم والأخلاقيات، وتغييب ممنهج للمؤسسات تنفيذ القانون، مؤسسات ضبط إيقاع الحياة بعدالة القانون، ومحاسبة المخلين والخارجين عن ذلك القانون.
غير مهم من يحكم ومن يدير الشأن العام، المهم كيف يدير هذا الشأن، ومستوى الانضباط القانوني والقيمي والاخلاقي لتلك الادارة وعدالتها، والقوى النافذة، هل قوة القانون أم قانون القوة.