تتسارع خطوات التطبيع الخليجي مع الكيان الصهيوني، بفعل الضغوط الهائلة التي يفرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لدواعي انتخابية على دول الخليج؛ المرتبطة وجودياً بالحماية العسكرية الأمريكية. والقاسم المشترك الذي يجمع المطبعين هو وجودهم ضمن تحالف عسكري لا يزال يدّعي أنه في اليمن لحماية السلطة الشرعية وتمكينها من العودة إلى البلاد.
اليمن بعد أكثر من خمسة أعوام يبدو أنه يواجه تحديات أكثر خطورة من ذي قبل، فالأطراف المحلية المتحاربة أمام دخول لاعب إقليمي آخر يراد له أن يوفر لثنائي التحالف جدار حماية من المساءلة، وهي تتوغل أكثر فأكثر في استهداف اليمن وجغرافيته وسيادته، وتريد أن تفرض خيار اجتزاء الأرض بهذه الطريقة من خلط الأوراق؛ عبر استجلاب الإسرائيليين إلى مناطق تتقاطع عندها المصالح الأمنية والاستراتيجية والحيوية لدول المنطقة برمتها.
الموجة الأولى التي أحدثها اتفاق التطبيع الكامل مع الصهاينة من جانب أبو ظبي، ضربت شواطئ محافظة أرخبيل سقطرى، التي أُغلقت تقريباً على نفوذ عسكري ونشاط استخباري متعدد الجنسيات، تحت المظلة السعودية والإماراتية، ويشكل الكيان الصهيوني الحاضر الأكبر في هذا النشاط.
جميع أبناء محافظة أرخبيل سقطرى يدركون أن عدو الأمة يتموضع في بلدهم، وخبراءه يتحركون بحرية تحت الحراب الإماراتية السعودية، ويقومون بإعادة توجيه وظيفتها من كونها جزءاً حيوياً في الجغرافية اليمنية، إلى طعنة في خاصرة الأمن القومي العربي، وهو تحول يجرح كرامة أبناء الأرخبيل ذوي الملامح اليمنية، والانتماء الراسخ للهوية اليمنية العربية الإسلامية.
لذا لم يكن غريباً هذا التحول في مواقف شخصيات عديدة في سقطرى لطالما انحازت للمشروع الإماراتي في أرخبيل سقطرى، إلى مناهضة الدور الإماراتي ورفضه.
قد لا تبدو السعودية مرشحة للانضمام إلى قاطرة التطبيع الإماراتية مع الكيان الصهيوني، لكنها قدمت كل ما يؤكد أنها تبارك الخطوة الإماراتية والبحرينية، ولا تبدي حساسية تجاه الوجود الإسرائيلي في محافظة أرخبيل سقطرى حيث توجد حامية عسكرية سعودية هناك، لكنها على ما يبدو لا تريد أن تكون الإمارات هي من يتحكم بنتائج الانفتاح الخطير جداً على الصهاينة وجرهم إلى خوض معركة الهيمنة الإقليمية، والتي تقف في الطرف المقابل منها تركيا، وأريدَ لهذه المعركة أن تكون سقطرى اليمنية ومضيق باب المندب وخليج عدن إحدى ساحاتها المؤثرة.
ومأ أراه من هامش حرية قد توفر للسلطة الشرعية المتواجدة في الرياض، لتعبر عن رفضها لخطوات التطبيع مع الكيان الصهيوني، ليس إلا خطوة تكتيكية من جانب الرياض، لتبقى في منأى عن التداعيات
المباشرة والارتدادات السلبية عن الوجود الإسرائيلي في اليمن، بصفته أحد النتائج الصادمة لحرب التحالف الذي تقوده السعودية في الساحة اليمنية.
إننا أمام تطور خطير يضع هذه الحرب في سياق جديد ومختلف. فالمواجهة الإقليمية التي كرستها التدخلات الإيرانية المباشرة وغير المباشرة في اليمن، أغرت الرياض لحرف مسار المعركة بشكل كامل.
فالتدخل العسكري للتحالف، كما هو واضح، تحول من إسناد لبلد شقيق وجار ودعم استعادة دولته وبناء سلام مستدام فيه، يقوم على الشراكة الوطنية وتحت مظلة الدولة الديمقراطية الاتحادية، إلى مواجهة ذات منطلقات إثنية وطائفية.
فقد دفعت السعودية بكتائبها السلفية في معركة مع من تسميهم الروافض الإيرانيين، متوازيةً مع حرب على القيم التي تتأسس عليها المعركة الوطنية لليمنيين، بما تقتضيه من إقرار بمبدأ الشراكة بين المكونات السياسية والألوان الحزبية المختلفة، ليتحول هذا التدخل إلى نشاط عدواني وتخريبي وحصان طروادة لتمرير أعداء الأمة إلى الأرض اليمنية.
لذا ليس هناك أسوأ من المبالغة المبتذلة التي يفيض بها الخطاب الإعلامي والسياسي السعودي الإماراتي؛ بتكرار الادعاء بأن هاتين الدولتين تخوضان معركة الدفاع عن الأمن القومي العربي، وأنهما تمضيان بتدخلاتهما العسكرية في أكثر من بلد عربي في تسييج الجغرافيا العربية وحمايتها من الأطماع الإقليمية.
فهذا الادعاء تفنده الوقائع على الأرض، لأن جزءا من مظاهر التدخل العسكري للسعودية والإمارات تتجه نحو تفكيك اليمن والاستحواذ على أهم مواقعه الحيوية، كما تتجه نحو وأد خيار الشعوب العربية في التغيير والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، تأسيساً على مبدأ التفويض الحر.
والأخطر أن هذا التدخل العسكري الثنائي في الدول العربية، أطلق حرباً شرسة على الثوابت الراسخة للأمة وما استقر عليه الإجماع العربي، حيال قضايا مركزية تتقدمها القضية الفلسطينية، ومحاولة بناء إجماع بديل يقوم على فكرة القبول بدمج الكيان الصهيوني في البيئة العربية سيداً وضامناً.
وفي مقابل هذا التوجه السافر، يواصل هذا الثنائي التضحية بالشعب الفلسطيني وشيطنته، وعزل السلطة الفلسطينية وملاحقة قادة الشعب الفلسطيني ومناضليه، واعتقال العشرات منهم خصوصاً في السجون السعودية، حيث يقبع عدد من قيادات ومنتسبي حركة حماس بعد أعوام قضوها في المملكة بسلام.