في خطابه عن بعد أمام الدورة المنقضية من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ظهر الرئيس عبد ربه هادي منافحاً بشدة عن الإنجازات السعودية على صعيد تنفيذ اتفاق الرياض.
وبالتزامن كان وزير خارجيته محمد الحضرمي يواصل هجومه على المجلس الانتقالي ويتهمه بعرقلة تنفيذ الاتفاق خصوصاً وأن المجلس يتحكم بإنجاز الشق العسكري من هذا الاتفاق الذي يعد مقدمة ضرورية لمواصلة إنجاز الشق السياسي والذي تتصدره حالياً مهمة تشكيل حكومة الكفاءات السياسية.
ما من تفسير لهذا التناقض سوى أن القيادة مرتهنة بشكل كامل للإرادة السعودية، وهو ثمن متوقع طالما بقيت هذه الشرعية في العاصمة السعودية الرياض خاضعة لشروط المضيف الذي بات قاسياً ومتجبراً وعديم المشاعر.
مر حتى الآن شهران وأكثر منذ أن تلقى الدكتور معين عبد الملك سعيد خطاب التكليف من الرئيس هادي بإعادة تشكيل الحكومة التي ستتكون من (24) وزيراً بالمناصفة بين الشمال والجنوب وخاضعة لمعايير المحاصصة السياسية أيضاً بالنظر إلى أن اختيار الوزراء سيتم من قبل القوى والأحزاب السياسية.
كان يفترض أن ينجز رئيس الوزراء المكلف مهمته خلال المهلة المحددة بشهر كامل، لكن المهلة انقضت ومر شهر آخر ولم يتحقق شيء على الرغم من النبرات المتفائلة التي تصدرها بعض الأطراف وتشير من خلالها إلى أن الحكومة ربما ترى النور منتصف هذا الشهر.
ودعوني أخمن بأن هذه الحكومة لن ترى النور قريباً، إلى أن يصبح تشكيلها أمراً يستحق التضحية بالشروط المسبقة التي حددها اتفاق الرياض نفسه، وأهمها التنازل عن شرط إنجاز الشق العسكري، الذي يفترض أن ينهي السيطرة العسكرية والأمنية للمجلس الانتقالي على العاصمة المؤقتة عدن.
من المضحك أن تجري المساومة بهذا الخصوص على الوجود العسكري للحكومة في محافظة أبين، وكأن المجلس الانتقالي يتحدث عن ميلشيات أو طرف مكافئ في الصراع وليس السلطة التي يحق لها أن تتواجد في أي مكان من مناطق البلاد، دون أن يتسبب ذلك في مشكلة.
يكتفي رئيس الوزراء بالإشارة إلى الشق العسكري، لكنه ليس مضطراً على ما يبدو لتسمية الطرف الذي يحول دون تنفيذ هذا الشق، رغبة في تكريس الدور الحيادي لرئيس الوزراء، وهي صيغة مثيرة للاستغراب، إذ لا يمكن لرئيس حكومة كفاءات سياسية ان يكون محايداً أو شوكة ميزان، حينما يتعلق الأمر بالمس بالصلاحيات الدستورية للسلطة الشرعية وأو المس بسلامة كيان الدولة، وهو ما نشاهده يجري بوتيرة متواصلة ليس من جانب التشكيلات الانفصالية، وإنما أيضا من جانب السعودية نفسها، راعية اتفاق الرياض التي تتعمد منح المشروعية للسلوك الانفصالي وللتهديد الخطير الذي يمثله المجلس الانتقالي ومن خلفه الإمارات.
وإلى أن يحدث اختراق لا يبدو أن الرياض معنية بتحقيقه بالسرعة المفترضة، فإن الأفق يبدو مبلداً بالسواد، فيما يتعلق بحسم الصراع الذي غذاه التحالف في جنوب البلاد وضمن له تداعيات ونتائج سياسية خطيرة.
وأغلب الظن أن المتحكمين بهذا الاتفاق سيدفعون بالطرفين إلى مستوى جديد من التوافق، أبرز سماته التجويف الكامل لاتفاق الرياض بحيث يتحول إلى مجرد حصان طروادة الذي سيحمل معه كل أعداء الشرعية إلى قلب السلطة الشرعية لتبدأ خطوات تفكيك اليمن وإنجاز التسوية القائمة على أساس خارطة الأمر الواقع التي استثمرت السعودية والإمارات في تصميمها وصناعة الدمى التي تتحرك عليها وفرضها على جميع الأطراف.