من مقر وزارة الخارجية في واشنطن تحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن عن موقف بلاده من حرب اليمن، وهو شخصياً الذي كشف عن قرار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن تعيين مبعوث أمريكي خاص إلى اليمن، هو الدبلوماسي تيم ليندركينغ، الذي سبق له وأن اقترب من ملف اليمن وتحدث إلى الرئيس وعدد من المسؤولين اليمنيين خلال الفترة الماضية.
ليس أمراً اعتيادياً أن تحضر الحرب الدائرة في اليمن في صلب الأجندة الدبلوماسية للرئيس الأمريكي، هذا يعود تحديداً إلى التراكم الذي احدثته هذه الحرب، خلال فترة رئاسة ترامب، على مستوى المواقف السياسية والأخلاقية والتجاذبات، على نحو يحتاج معه الرئيس إلى تمييز موقفه عن سلفه وعن التركة السيئة التي خلفها على سمعة القوة الأعظم في العالم.
ذلك لا يمنعنا من الإشادة بإدارة ترامب التي اتخت في الأيام الأخيرة من عهدها واحداً من أفضل القرارات بشأن اليمن، وهو تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية.
أطلق الرئيس بايدن سلسلة من المواقف التي يمكن أن توصف بالمتوازنة حيال اليمن، خصوصاً أنه أعاد تعيين صلاحيات الأطراف المتدخلة في الحرب الدائرة في هذا البلد، فعلق مبيعات الأسلحة إلى كل من السعودية والإمارات على خلفية تلك الحرب، وأوقف الدعم اللوجستي الأمريكي للعمليات العسكرية السعودية في اليمن.
وفي المقابل أبقى على التزام بلاده تجاه الحليفة السعودية، وحمايتها من الهجمات التي تنفذها جماعات مدعومة من إيران. ومواقف كهذه لاقت ترحيباً متكلفاً ويخالطه الامتعاض، من جانب السعودية والحكومة الشرعية الملحقة بها، ودفعت بالإمارات في المقابل إلى القفز من سفينة التحالف، وتأكيد أنها لم تعد شريكة في العمليات العسكرية منذ تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2020، بحسب تصريحات لوزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش.
السعودية ستكتفي على ما يبدو بإبداء هذا الحماس المصطنع لمواقف بايدن فقط لأنه أكد على التحالف معها، لكنها بالتأكيد ستفتقد إلى الغطاء الكامل الذي كان يوفره ترامب بصفته شريكا قويا في معركة السعودية على الساحة اليمنية، وهي معركة ثبت أنها تعكس نهجاً عبثياً لا يعبأ بمعاناة اليمنيين، ولا بالكلف الباهظة والخطيرة على دولتهم ووحدتها واستقرارها.
لا غرابة في أن تتسارع الخطوات من جانب بايدن تجاه حرب اليمن، فما يقوم به هذا الرئيس المُسنّ يمثل امتداداً لسياسة اعتمدها الرئيس أوباما في نهاية ولايته الرئاسية الثانية؛ التي شهدت السنتين الأوليين من التدخل العسكري للتحالف في اليمن.
فقد كانت إدارة أوباما حريصة على إيجاد تسوية ترى جماعة الحوثي الانقلابية طرفاً أساسياً في العملية السياسية، بغض النظر عن الضرر الذي أحدثته في حياة اليمنيين واقتصادهم ومعاشهم.
انطوت سياسة إدارة أوباما حينها على نية لمنح هذه الجماعة فرصة الاستحواذ على نصيب الأسد في سلطة انتقالية؛ تعيد في الحقيقة إنتاج حزب الله جديد في اليمن على نحو ما كشفت عنه مبادرة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري، والتي عكست تنسيقاً من نوع ما مع الإمارات، خصوصاً أن كيري أعلن عن مبادرته من أبو ظبي، قبل أن ترفضها السلطة الشرعية بتشجيع من الرياض.
تحولت حرب اليمن بالنسبة للسياسيين في واشنطن إلى ورقة ضغط هائلة لطالما أزعجت ترامب كثيراً ودفعته إلى ترتيب مؤتمر ستوكهولم في كانون الأول/ ديسمبر 2018، وهو المؤتمر الذي أعاق تحرير الحديدة ومنح الحوثيين فرصة لخوض منافسة متكافئة مع السلطة الشرعية في نيل استحقاق إدارة مدينة الحديدة وموانئها.
لقد كان الهدف من وراء تفاهمات ستوكهولم هو تأسيس نموذج متفق عليه لتسوية تنهي مفعول القرار 2216 الصادر عن مجلس الأمن في 2015، وغيره من المرجعيات التي تقضي بإنهاء الانقلاب والتمرد وكافة مسببات الحرب، وهو أمر لا يتحقق إلا بتمكين السلطة الشرعية من مواصلة إدارة العملية الانتقالية وبقائها مظلة للأطراف السياسية وتلك التي انخرطت في الصراع وغذته كجماعة الحوثي.
تتجه إدارة بايدن إلى تبني سياسة تتسم بالمرونة تجاه الانقلابيين الحوثيين، ستشمل على ما يبدو إنهاء تصنيفهم منظمة إرهابية أجنبية، وهي خطوة من شأنها أن تلقي بظلال من الشك حول المعايير المعمتدة لهذا التصنيف، التي تبدو مرنة وقابلة للتكييف وفقاً للمزاج وربما الأيديولوجيا الحاكمة لرأس السلطة وحزبه في البيت الأبيض.
لقد شرع المبعوث الأمريكي الجديد بالتحرك، وعلى رأس أولوياته على ما يبدو إنهاء مفعول قرار التصنيف، ودفع الأطراف نحو الذهاب إلى عملية سياسية تفضي إلى السلام في اليمن.
إن أهم ما أنتجته المواقف الجديدة للرئيس بايدن هي أنها كشفت عن تمايز واضح في الموقفين السعودي والإماراتي، ففي حين أكدت السعودية التزامها بالدعم الحاسم، السياسي والعسكري للسلطة الشرعية ضد الحوثيين المدعومين من إيران، فإن الامارات تبرأت من الحرب، وقررت التحلل من التبعات السياسية والاستراتيجية لشراكتها مع السعودية.
لقد تركت إدارة بايدن مجالاً لأبو ظبي للتموضع التخريبي في الساحة اليمنية، عبر توسُّل الشراكة مع واشنطن في محاربة الإرهاب، خصوصاً أن بايدن أكد على أن تدخل بلاده الوحيد في اليمن سيبقى في حدود مكافحة الإرهاب، الذي نستطيع أن نؤكد أن الجماعات التي ينسب إليها هي من أقل الأطراف تأثيراً في الساحة اليمنية وأقل قدرة على القتل والفتك والإرهاب في هذه المرحلة.
ليس ثمة مبالغة فهذه هي الحقيقة لأن هذه الجماعات الإرهابية أثبتت الوقائع أنها جماعات وظيفية في الأساس، لذلك ستبقى أبو ظبي هي الطرف الأكثر قدرة على استدعاء الجماعات الإرهابية، لكن هل يخفى ذلك على واشنطن؟ لا أعتقد ذلك.
وما يبدو ملحّاً اليوم يتعلق بمدى استعداد السلطة الشرعية للتحرك الفاعل وتبني موقف قوي وواضح من الدور الإماراتي، والعمل على فضح ادعاءات أبو ظبي بشأن الانسحاب من اليمن، وطرح التجاوزات الميدانية التي تحدث والانتهاكات والسطو المسلح على المرافق والموارد السيادية على طاولة النقاش مع الأطراف الإقليمية والدولية.