سعير الحرب، له أدواته، وله محرضيه، وله مبرراته، يتم توظيف ما يمكن توظيفه من تناقضات، لاستهداف القيم والاخلاقيات والمبادئ، وبالتالي الفكر الحامل لها، لخلق حالة من التفسخ العام لدى المجتمع لتقبل ما يملي عليه، فيتصحر وتتصحر العقول، وتتوه عن جوهر المشكلة لتكن مشكلة بذاتها تصنع عدد من المشاكل، وتغذي صراعات جديدة لمزيد من الفرقة والشتات والانهيار.
الوحدة كفكرة هي أكثر نبل وسمو، ولهذا تقبلها الناس في الجنوب أكثر من الشمال، وتفاءل بها من اخلال اقترانها بالديمقراطية والتعددية، ومخطئ من يرمي كل أخطاء المنظومة السياسية ونخبها على الوحدة، بل انا اعتبرها جريمة، جريمة حيثياتها هو تزييف الوعي الجمعي، وبالتالي قتل روح القيم والمبادئ والاخلاقيات بين أوساط الناس، أي انها معالجات بحقن سيئ من الكراهية للفكرة نفسها، وبالتالي تنشئة جيل فاقد لثقة الفكر، مرهون بعاطفة وما يتردد على مسامعه، متفسخ القيم والأخلاقيات والمبادئ، التي لا تتجزأ، ولا يمكن ان تكون مقبولة في مشروع ومرفوضة في مشروع آخر.
مشكلتنا معا في الجنوب والشمال، هي مشكلة المنظومة السياسية ونخبها، وعدم استيعاب الفكرة نفسها، ابتدأ من الجمهورية ومرورا بالوحدة والديمقراطية والتعددية، والنخب العاجزة على ان تحمي تلك الفكرة كقيمة، وتتكتل وفق قيم ومبادئ وأخلاقيات الفكرة، ويجتمع الناس على ما هو حق، ضد ما هو باطل.
يبقى السؤال اليوم، اين المشروع الوطني الكبير؟ وأين هم حاملي هذا المشروع؟
أسئلة يفرضها الواقع اليوم، حيث تفوق الاصطفاف المناطقي والطائفي، على الاصطفاف حول الأفكار والقيم والأخلاقيات، ولم يتوقف ذلك الاصطفاف على مهاجمة المشاريع الوطنية الكبرى والفكرة القيمة والسامية، بل استمر يحقن المجتمع بالعداء لها، بل بالكراهية ليفرض انقسام مناطقي، غير مراعي للقيم والاخلاقيات، بل يخلق حالة من التفسخ العام بأوساط المجتمع والنشء، حيث تكون الرؤية منصبة بما يحقق ذلك الانقسام، ويهد روافع الوحدة والديمقراطية والتعددية وبالتالي الجمهورية.
فلا غرابة اليوم ان نرى مشاريع بادت واليوم تعود للواجهة، مشاريع استعمارية وامامية، مشاريع مبنية على انقسام مناطقي وطائفي، انقسامات تحمي الاستبداد والطغيان والهيمنة والتمايز، والفساد والإرهاب المعنوي والروحي، والانتهاكات والحريات، فالمجتمع الذي تعرض للتفسخ والتزوير للوعي يصبح متقبل سلطة خالية من القيم والأخلاقيات، ترعى مزاج المتفسخ وهو يحمي تفسخها.
مع العلم أن الوحدة بريئة من كل اخطائنا، بريئة من نظام جمهورية اليمن الديمقراطي الذي تحلل بفعل الصراعات البينية، وعجزه عن معالجة تحلله ولملمت صفوفه وتشكيل كتلة وطنية قادرة على حماية المنجز، ونظام الجمهورية العربية اليمنية المتفسخ بفعل النفوذ القبلي والعقائدي والفساد المستشري، وغير قادر على ان يكون في مستوى المنجز، وبريئة من مزيج هذا النظامين المتناقضين، وحرب 1994م الكارثة التي يتحملها النظامين، والتي كانت حرب انتقامية لمشروعين كان الجنوب والشمال منقسمين فيه، جنوبيون قاتلوا مع الشمال، وشماليين قاتلوا مع الجنوب، والشواهد كثيرة، وأسماء ضحايا الاغتيالات والحرب شاهده على ذلك التوصيف، كان عفاش الاذكى حينما قطف ثمرة الحرب، وبالتالي البقية هم الاغبياء، والقانون لا يحمي المغفلين.
المطلوب ان يتوقف تزييف الوعي وخاصة في النشء جيل المستقبل، ونحن نشحن فيه كراهية والأحقاد والضغائن ضد الوحدة والشمال، لنكون في مستوى المسئولية الوطنية، بل الشجاعة الوطنية، لأن نوصف القضية بالحقائق الدامغة، ونقيم مرحلة مهمة من الصراع بحيادية ومنطق وعلم، لنبني عليها
حلول صحيحة، ونقدم رؤية وطنية تحفظ للقيم والمبادئ والأخلاقيات مكانتها، بل نعززها بين أوساط المجتمع والجيل، ليصلح حالنا، ونوقف هذا التفسخ القائم والانهيار الذي نصنعه، ونحن نحمل معاول الهدم لنهدم تلك القيم التي كنا يوما نتغنى بها.