اعلن المستعمر الرحيل , بعد ضربات موجعة من الفدائيين , ولكنه رحيل المنتقم , قيل حينها رسم مخطط , استبدال كل سلطان بشيطان , يوسوس بالتخلص من الاخر , وهي سياسة فرق تسد , للحفاظ على مصالح المستعمر واعوانه في المنطقة , تلك المصالح التي تتطلب ضرب عدن , ضرب مقوماتها الاقتصادية , وطرد كل العقول والكفاءات والخبرات , وتدمير كل المرتكزات الاقتصادية والسياسية والثقافية ,وتسليم عدن لطرف دون غيره , حيث وجدت مصالح المستعمر في اثارة فتنة ,وتصعيد التوتر والاقتتال الأهلي , و وجه الجيش لدعم الجبهة القومية , على حساب جبهة التحرير وقوى وطنية أخرى كان لها بصمات في العمليات الفدائية , مما رسخ ثقافة رفض الاخر , والصراع على السلطة , وفي منحى يتطور الصراع , وصل لحد الانحياز الايدلوجي , الذي عزز سلطة الفكر الواحد , وتصفية كل معارضي ذلك الفكر , و اوجد مبررات التصفية الدموية التي تعرضت لها تجربة الاستقلال في الجنوب اليمني , من احداث 68م مرورا بأحداث 78م حتى الضربة القاسمة في 13 يناير 86م , التي انهك فيها الجنوب , ودخل في وحدة خاسرة مع قوى تقليدية , استهدفت ما تبقى من قوى حية فيه وفي اليمن شماله وجنوبه , ولازال الى اليوم الجنوب يعيش مالات تلك الحقبة من الصراعات , عاجز عن تجاوزها والخروج من اثارها لينتقل للتعافي , ولازال يبحث بين ركام مخلفات الماضي ما يقتات منه لتغذية الكراهية والعنصرية والثارات , التي جعلت من الجنوب ساحة مثلى للتوظيف ضد المشروع الوطني اليمني الكبير , والخروج من عباءة الوصاية الإقليمية والدولية , لينهض .كثير من شباب اليوم , يعيشون وهم الزمن الجميل , جميل عندما افرغ الجنوب من كل كوادره , واعلن قحطان الشعبي قرار تصفية الكوادر والكفاءات , في تسريح 169 كادر وكفاءة من أبناء عدن دون حقوق , بل تم تصفية الكثير منهم , واستطاعت بريطانية ان تجلي تلك الكوادر لتبني كياناتها المتناثر في منطقة الخليج , كبدائل لمشروعها الاستعماري (الجنوب العربي )الذي افشلته عدن , وهي في قمة وهجها القومي والوطني والعربي والإسلامي , والتي رفضت أي مشاريع تستهدف الامة , وها نحن نعيش مرحلة معاناة تلك الكيانات التي تحولت خناجر تنغرس في جسد الأمة و تنحرها بدم بارد خدمة لأعدائها الصهاينة .لا ننكر ان العدد القليل الذي تبقى وناصر ايدلوجية النظام , عاش في نعيم تلك الأيديولوجيا , حيث الجميع متساوون في الفقر والعوز , وكان الفرق بين الطبقات غير مؤثر على بعضها بعض , لكن الظلم لا يسقط بالتقادم , والمنتصر الذي صاغ التاريخ بأهوائه ومزاجه , وهمش تاريخ الاخر , والغى مواقفه الوطنية , كانت تجربة تحتاج اليوم لدراسة عميقة وتصويب , ونقد علمي لنستخلص منها العبر والدروس , ونعيد صياغة التاريخ وفق حقائق دامغة , وانصاف الاخر , جبهة التحرير والمؤتمر العمالي وشركائهم في النضال .ترك تلك التجربة دون نقد , وترك أصحابها يتغنون بها , ويصورنها على انها مثالية , هو استمرار لذات العبث , الذي يدفع بأبناء قادتها بالأمس لتصفية حساباتهم في حاضرنا , وينتقمون لذويهم في إعاقة مستقبلنا , و واقعنا اليوم هو نتاج لذلك .لكل تجربة إنسانية ووطنية عيوب ومنجزات , سلبيات وايجابيات , لا يمكن الحديث عنها دون تقييم حقيقي وصادق وعلمي منصف , دون ذلك سنبقى نحوم على وهم الزمن الجميل , ونحن ننظر لنصف الكاس , ونتجاهل النصف الآخر المر منه .في كل الأحوال نهنئ الشعب اليمني بعيد الاستقلال , جبهة قومية وجبهة تحرير , الجمعية العدنية , والجمعية الإسلامية , حركة الأحرار الدستوريين , والقوى الشعبية , والمؤتمر العمالي , وحزب الشعب , وفصائل البعث , وكانت عدن حينها تحتضنهم بحب وتسامح , وكانت لهم ساحة للمنافسة الفكرية والثقافية , ومنها تخلقت نواة الحركة الوطنية اليمنية , وكانت حضن دافئ للمثقفين والمفكرين والسياسيين بكل توجهاتهم ومشاربهم , حينما كانت عدن , ثاني ميناء في العالم , وكانت سباقة , , ترفد العالم بكل جديد من البضائع والمنتجات والصناعات , وبعد كل ما ذكرناه كيف صارت اليوم , يبحث فيها الناس عن قرص روتي , ودبة غاز , او بترول , والباقي يعرفه صغيركم قبل كبيركم , والله المستعان .
أحمد ناصر حميدان
عدن ما بعد 30 نوفمبر 1007