يحاول البعض تعكير فرحة الشعب اليمني بالنصر الذي حققه الفريق الوطني للناشئين، بعد ان أحرز نصرا على السعودية في كاس غرب أسيا، نصر لليمن جنوبه قبل شماله، فجر موجات من الفرح والبهجة، بعد كربة شعب مكلوم، ومنهك سياسيا واقتصاديا.
محاولة وجد فيها المصابون بمرض المناكفة السياسية، فرصة للسخرية من فرحة شعب، في توحش غبي، والانكى من الجهل هو الوعي السالب، وثقافة النكاية التي جرّت علينا كوارث، هي حالة من النكد والاستفزاز والابتزاز للواقع، للإبقاء على حالة الحرب الجاثمة على صدور هذا الشعب المسكين، وتداعياتها من الانهاك العام، ويأس وبؤس للمواطن.
استمرار النكاية السياسية، يؤكد ان أصحابها لا مشروع لديهم غير استفزاز الآخر، ومحاولة اغضابه ليندفع نحو الأذى، لاستمرار الصراعات السلبية، والانشقاقات، للإبقاء على العنف واستدعاء العنف المضاد، ليبقى الفساد جاثما، والسيطرة والتمكين واقعا.
انهم مثل البضاعة الفاسدة التي تفسد من حولها، وتختار التناقضات، وترسخ الانشقاقات، فتفسد الحياة والعلاقات، وتفسد تطلعات الناس وأحلامهم، ويصابون بالخذلان، ويفسدون وتفسد قيمهم وأخلاقهم ومبادئهم.
عندما خرج الناس يطالبون في كيان جامع، يطمحون لتجاوز الماضي وخلافاته، وإعادة ترتيب تناقضاتهم، لإثراء الواقع بالديمقراطية والحرية، يستوعبون بعض، ويحترمون تطلعات واختيارات بعض، دون نكاية واستفزاز.
ما كنوا بحاجة لخطاب الكراهية والثأر والانتقام، نذكرهم باستمرار أنهم أعداء، وأن معركتهم هي اجتثاث الآخر، اختيرت بعناية شعارات وأعلام ومشاريع، تثير حفيظة الآخر، ما كانوا بحاجة لنكاية، تعيدهم لوحل الصراعات والعنف، كانوا يبحثون عن شيء جديد وخطاب راقي، يقدم ضمانات ويقربهم من بعض، ويصنع توافقات.
لكن الفاسدون وبدعم خارجي، قدموا لنا واقع اليوم، منتج غبي لامتداد الماضي، بإيعاز ودعم من العدو، وظف كل الأوبئة والفيروسات الضارة، وجمعهم في بوتقة من النكف، تدير عملية النكد والاستفزاز، محركا للصراعات السلبية، وتستنزف قدرات الناس والبلد، في احداث تصدعات وشروخ، وأنهاك النخب والقوى والشعب معا، ليعيد تموضع ادواته، تنفيذا لأجندات وأطماعه.
انظر بعقل، واقرأ بوعي، ستعرف ان اختيار مصطلح (الجنوب العربي) اختيار مهين، لتاريخ نضال أمة وشعب رفض الاستعمار ومشاريعه، ومن يقرأ تاريخ الكفاح المسلح في عدن، سيعرف ان احرار عدن رفضوا هذا المشروع، ورفضه المجلس التشريعي، ونفذ ابطال عدن بقيادة الفدائي خليفة عبدالله حسن خليفة في 10 ديسمبر 1963م، عملية المطار التي قتل فيها نائب المندوب السامي، وجرح المندوب السامي وعدد من السلاطين، والغيت رحلتهم للندن لغرض التوقيع على مسودة مشروع الجنوب العربي، وافشل المشروع من حينها بفضل احرار وثوار عدن، واليوم يعاد احيائه بغفلة زمن نكاية بعدن واحرارها.
اذا افترضنا ان جلاء الاستعمار كان استقلال، فقد كانت راية الكفاح المسلح التي هي راية الاستقلال هو علم الجمهورية اليمنية اليوم، أحمر، أبيض، أسود، دون المثلث الأزرق المضاف الذي هو علم الحزب الاشتراكي، الذي قاد مرحلة، وأعتذر عن أخطاء كارثية، وظل هذا الاعتذار مجرد تصريح، لم ينعكس في إصلاحات حقيقية، وتغيير في السياسات والاستراتيجيات، كان لابد ان يعرف جيل اليوم ما احتوته المرحلة من منعطفات دموية منذ 67م والحرب الأهلية، واحداث قحطان الشعبي وسالمين ويناير المشؤوم وحرب 94م الظالمة، وما خلفته من آثار وتراكمات وأحقاد وضغائن، ومظلومين ومقهورين، قتلى وجرحى ومنفيون، يجب ان يعرف جيل اليوم حقيقة رفض البعض للولاء لهذه الراية، وتلك المشاريع، وما تشكله من استفزاز لكل ضحايا تلك المجازر، وإنها مجرد وسيلة للنكاية، لن تحقق توافق واجماع.
وكثير هي أشكال النكاية، كالنشيد الوطني الذي هو نشيد الجنوب، والدولة التي يعلن استعادتها، لكن الهدف كان غير ذلك، هو ترسيخ المزيد من حالة عدم التوافق، وبالتالي عدم الاستقرار، والتضييق على الاخرين، ولازال خطاب النكاية العقيم يصدح، وثقافة الثأر والانتقام، وثقافة الكراهية والعنصرية، ونكران الهوية، والارتماء في أحضان العمالة والارتزاق، والارتهان والتبعية، كلها نكاية بالآخر.
استمرأوا بالمناكفة، لبسوا رداء غيرهم، خلعوا كل ما يتعلق بالوطن والهوية، وذهبوا يرتدون ما يثير حفيظة الروح الوطنية والسيادة والإرادة.
فاستكثروا فرح شعب كاد يفقد وطنه وهويته، وجد في لحظة انتصار كروي فرصة ليعبر عن ارادته الحقيقية وتمسكه بالوطن الكبير والهوية والاصالة والتاريخ والحضارة، تنفس الصعداء معلنا انه يمني الهواء والهوية.
ومن الضروري سيقف أعداء اليمن وهويته وحضارته مستنكرين هذا التنفس، كاشفين وجههم القبيح وحقيقتهم للملى، مستخدمين النفوس المريضة، وتغرير من استطاعوا التغرير به، واستفادوا من المنافقين الذين يسيرون مع الركب بتفكير سطحي ويناكف بغباء منقطع النضير.