لا أحد من عموم اليمنيين لديه معلومات دقيقة حول المحادثات التي تستضيفها العاصمة العمانية مسقط، وشكل هذه المحادثات وأطرافها اليمنية المحلية والإقليمية، وهل هي مفتوحة، وهل تعقد بصورة متقطعة، وهل لديها جدول أعمال واضح.. غير أنهم علموا أنها سبق وأن نجحت في فرض هدنة يمكن أن تصبح عنوانا للمرحلة المقبلة من الصراع .
لكن ما كشفت عنه تصريحات وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي للأهرام المصرية؛ يفيد بأن هناك نهجا لمقاربة الحل يتبناه المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غرودنبرغ، حظي بدعم سلطنة عمان التي أعلنت لأول مرة على لسان وزير خارجيتها بدر البوسعيدي عن رؤيتها للحل .
وتصريحات كهذه أول ما تشير إليه هو أن سلطنة عمان بلغت مرحلة متقدمة من المكانة الإقليمية كوسيط مفوض من بعض الأطراف الداخلية ومفوض بالقدر نفسه من القوى الكبرى، ومقبول من السلطة الشرعية ودولتي التحالف، وهذا يعني أن السلطنة لم تعد تنقل أفكاراً، بل تصيغها وتطرحها على الأطراف، وهي في نظري إعادة تموضع عمانية منفتحة على تحمل كلف الانخراط في مهمة فرض السلام .
تتلخص المبادرة العمانية في "تشكيل حكومة شاملة، تتمثل فيها جميع المصالح وأصحاب الشأن، وتتأسس وفقا للوزير العماني على مبدأ "أن السلام في اليمن قرار استراتيجي يتخذه اليمنيون، ولا يمكن فرضه من الخارج ".
ومن الرياض، أكد نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان وقوف بلاده مع اليمن ورفع المعاناة عن شعبه، وتحقيق ما يصبو إليه من أمن، وسلام، واستقرار، وتنمية .
هكذا تتكرس الأزمة والحرب في اليمن على نحو ما تكشف عنه هذه التصريحات، فهما ليسا إلا نتاجا لسوء الخيارات التي أقدمت عليها الأطراف اليمنية، وهذا يعني أنه يتعين عليها منذ الآن أن تقرر بنفسها متى ستصبح جاهزة لاتخاذ خطوات شجاعة لاستعادة السلام والاستقرار، حيث تقف دول الجوار في حالة تأهب قصوى لتقديم المساعدة على الصعيدين السياسي والاقتصادي .
دعونا نكن صريحين مع جميع جيراننا.. إن الحرب التي تعصف باليمن هي انعكاس لسلوكهم الأناني المتضخم حينما رأوا التغيير السلمي الذي أنتجه الشعب اليمني في 2011 مصدر خطر لاستقرارهم ونهجهم السياسي .
أنتج اليمنيون ضمن موجة ربيع العرب أفضل نموذج للتغيير، وأبدوا استعدادا مخلصا للانفتاح على أشقائهم وقبلوا مساعدتهم ومبادراتهم، التي تحولت للأسف إلى مستوى لا نظير له من الانتهازية والخديعة، التي لم تتردد في استثمار التناقضات اليمنية الطبيعية التي كانت قد انتظمت وتقاربت إلى حد كبير تحت مظلة مؤتمر الحوار الوطني الشامل .
لقد أثبتت الحرب في اليمن أن دول الجوار تحتاج أكثر من اليمنيين إلى إبداء حسن نوايا حقيقية تجاه بعضها، لأنها ببساطة كانت قد اقتربت خلال السنوات الماضية من خيار المواجهة فيما بينها على وقع التطورات الكارثية في اليمن، إلى الحد الذي دفع بها إلى التشبث باليمن كمسرح لمواجهة هدفت إلى تعظيم حصص هذه الدول في ممارسة النفوذ الجيوسياسي والمساومة عبر استخدام ورقة اليمن، والتعاون مفتوح السقف مع أطراف الصراع تلك التي أنتجتها الحرب، وتعظيم فرص هذه الأطراف في حسم الحرب لصالح مشاريعها المهددة لوجود الدولة اليمنية .
لقد تبدَّتْ بوضوح كامل نزعةُ الأطراف الإقليمية لاستثمار قوى الأمر الواقع من أجل خفض كلف الاستحواذ على اليمن والاستثمار الوقح في خلق يمن فاقد للحرية والكرامة، شمولي أو أحادي التفكير وتابع وطائفي موتور .
وفي المقابل، أفضى نهج الحرب الذي فرضه التحالف إلى تقزيم السلطة الشرعية ومعسكرها، ومعهما المشروع الوطني الذي يستظل بالجمهورية والوحدة وينتهج الديمقراطية، وتجريدهما من إمكانياتهما العسكرية وسَدِّ أفقهما السياسي وفرض حصار خانق على قادتهما وسياسييهما وضباطهما وقادة الرأي فيهما والمنظمات المدنية التابعة لهما وتقييد حركتهما .
وحينما يُراد من اليمنيين أن يشكلوا حكومة وفاق وطني تتكافأ أو لا تتكافأ فيها الأطراف سياسياً من حيث الحصص في الحكومة المقترحة، فيما تبقى متفاوتة حد الهيمنة، على مستوى القوة العسكرية والسيطرة والنفوذ، فإن الأمر لا يعدو كونه محاولة تثبيت خطوط الهدنة لتصبح حدودا لنفوذ وهيمنة قوى الأمر الواقع، والانتقال بأكبر كتلة سكانية في الجزيرة العربية الى مرحلة من اللا يقين وعدم الاستقرار .
وهكذا نجد أنفسنا أمام حقيقة أن الأطراف الإقليمية والدولية عملت طيلة السنوات الماضية بكل ما أوتيت من قوة لإخراج الشعب اليمني من معادلة الصراع، وإضعاف فرصه في حسم الحرب لصالح الدولة والاستقرار والشراكة الوطنية، وفتح المجال للمشاريع المناهضة للدولة اليمنية .
وما لم تظهر نوايا فعلية وجدية لتجريد المليشيات من الأسلحة الثقيلة فلا معنى لتصدير الشعارات الرنانة حول السلام؛ لأنه من غير الممكن للأطراف التي فرضت خياراتها بقوة السلاح الممنوح لها من دول الإقليم إن تتنازل عن سلاحها لتتحول إلى أطراف سياسية تتحدد حصتها عبر صناديق الاقتراع .
فهذه الأطراف ستفضل مواصلة الاستيلاء على صناديق الاقتراع والتحكم بإرادة من يضع ورقة الاقتراع في تلك الصناديق، تماما كما تفعل الأنظمة الشمولية، وكما هو الحال في معظم دول منطقتنا العربية المسلوبة الإرادة والقرار، وهذا يعني استمرار معاناة اليمنيين وقهرهم فترة طويلة من قادم الزمن، لا سمح الله .
نقلاً عن عربي 21