لم يكن مجلس الأعضاء الأعلى بتركيبته التي أطاح بها مجلس القيادة الرئاسي سيئاً إلى الحد الذي يحتاج معه إلى إصلاح في وقت لم يتمكن الرئاسي من صياغة واعتماد آلية عمله ولم يتمكن من السيطرة حتى على قصر معاشيق حيث يقيم رئيس المجلس وبعض أعضائه ورئيس الحكومة وعدد من الوزراء.
وبادئ ذي دعونا نسلم بأن القضاء لم ينجز شيئاً خلال العشرية الماضية من زمن التغيير وما واجهه من عنف المتمردين والانقلابيين. فقد بقي القضاء للأسف الشديد، شاهداً عاجزاً عن لجم الجرائم السياسية والجنائية التي استهدفت الإنسان اليمني العادي والرسمي المدني والعسكري والأمني، المعلم والداعية وإمام المسجد، وثانياً، دعونا ننبه لشيئ خطير للغاية، وهو أنه قرار إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى وما قبله من قرارات صدرت لأول مرة في تاريخ الجمهورية اليمنية دون ديباجة دستورية، في تطور لافت يشير إلى أن هذا العهد مبتوراً تماماً مع ماضي الدولة اليمنية ومع الأسس الدستورية التي تستند عليها.
وثالثاً، كان يفترض أن تجري التعيينات الشاملة في مجلس القضاء الأعلى والمحكمة العليا بناء على عرض من مجلس القضاء الأعلى نفسه، لكن ذلك لم يحدث، ولست متأكداً من صحة ما نسب إلى القاضي حمود الهتار الذي كان قبل هذه التعيينات يشغل منصب رئيس المحكمة العليا، من أنه قد لفت نظر الدكتور رشاد العليمي إلى هذه المتطلبات الدستورية، بناء على رسالة منشورة في إحدى المواقع مذيلة بتوقيع القاضي الهتار.
لقد أطاح قرار مجلس القيادة الرئاسي بقضاة معتبرين، وبعضهم كالقاضي حمود الهتار، يتمتع بكفاءة مهنية عالية، ودربة سياسية ونضج كافي يحتاجها هذا العهد المضطرب، والأدهى والأمر أن القضاة الأساسين الذين أطيح بهم جرى تعيينهم أعضاء في مجلس الشورى، وهو إقصاء لم يمكن وصفه باللبق بل إجراء مقصود لذاته وهو أبعادهم تماماً عن سلك القضاء وهذا لا يليق أبداً.
وعودة إلى ما كنت قد أشرت إليه من أن الطريقة التي يجري بها مجلس القيادة الرئاسي تعييناته تشير إلى أن هذا المجلس بات أبعد ما يكون عن دستور الجمهورية اليمنية واتفاق الرياض وآليته التنفيذية، لأن القرار الأخير من أي ديباجة دستورية، وهنا أود أن ألفت عناية القارئ الكريم إلى ذلك يؤكد حقيقتين أساسيتين:
الأولى: أن هذه المجلس يتصرف كسلطة عليا منقطعة الصلة بدستور الجمهورية اليمنية وهياكلها.
الثانية: أن المهمة الأساسية لمجلس القيادة الرئاسي تبدو أكثر جرأة في استكمال الثورة المضادة بما تقتضيه من إعادة تموضع للشخصيات المنبوذة وطنياً في المفاصل الرئيسة للسلطة، والتعاطي مع مؤسسات الدولة كغنيمة حرب للانقلابيين والانفصاليين وهي خطوة تسبق عملية إعادة تجيير هذه المؤسسات لصالح المؤسسات المضادة للدولة اليمنية.
في ظاهر الأمر لا وجود لمشكلة في التعيينات الجديدة في مجلس القضاء الأعلى، لكن الحقيقة هي أن هذه التعيينات عكست المنطق الثأري، ويكفي أن نعلم أن الذي حل محل رئيس المحكمة العليا هو خصمه الشخصي، ناهيك عن أنه مرتبط بصلاتٍ وثيقةٍ مع نظام صالح المنحل، فيما تشير بقية التعيينات بوضوح إلى ما يمكن اعتباره شبه تقاسم لأهم مؤسسة في الدولة بين طرفين كانا حتى الأمس في الجهة المقابلة من العركة ضد الجمهورية اليمنية وسلطته الشرعية.