لا أملك تفسيراً قطعياً لبقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي المدجج بالقوات والأسلحة والدعم الإماراتي بعيداً عن عدن، التي ينظر إليها الانفصاليون على أنها عاصمة الجنوب ومقر مؤقت وغير مريح للقادة اليمنيين الذين يتخذون من قصر معاشيق الجنوبي مقراً لهم، رغم أنهم يشكلون جزءا من مزيج السلطة الشرعية التي تشكلت فجر السابع من أبريل/ نيسان 2022، وأصبح المجلس الانتقالي المكون المهيمن بسبب استفراده بالسيطرة العسكرية والأمنية على مدينة عدن.
اختار معظم المعلقين المرتبطين بالمشروع الانفصالي الصمت عن الكلام والتغريدات حول خطوة تأسيس قوات درع الوطن، فيما بقي الأقل شأناً منهم وضمن هامش حرية أتاحها الانتقالي مستمرين في توجيه رسائل قاسية إلى المملكة العربية السعودية، تكاد تتطابق في مضمونها ومفرداتها مع تلك التي يوجهها الحوثيون، وفيها من الأوصاف العدائية ما يكفي لوضع العلاقة الراهنة بين الرياض والمجلس الانتقالي في دائرة التقييم الجدي.
يواصل رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي في قصر معاشيق، لقاءاته مع كبار مسؤولين الدولة والقادة العسكريين، ومن ضمنها لقاء لافت مع وزير الدفاع وقيادات المنطقة العسكرية الرابعة، والأمر في تقديري لا يخرج عن الترتيبات التي تمليها خطوة تأسيس قوات درع الوطن، مما يعني أن الاجتماع قد يكون ناقش باستفاضة مسرح العمليات والتزامات وزارة الدفاع وهيئة الأركان، تجاه القوات الجديدة.
ما من شك أن هذه القوات خلطت الأوراق وأطلقت موجة من التعليقات التي لم تحسم ما الذي ستضيفه هذه القوات عملياً في مشهد الصراع، ومدى ارتباطها بمشروع استعادة الدولة ودحر الانقلابيين الحوثيين إذا افترضنا أن ثمة رابطا هيكليا لهذه القوات مع بقية وحدات القوات المسلحة اليمنية، وتتساءل التعليقات أيضاً عن مدى قدرة قوات درع الوطن على مواجهة التحديات الوجودية التي يشكلها المشروع الانفصالي للدولة اليمنية.
هذا لا يعني أن هذه القوات يمكن أن تكون الحبل الذي تم رميه في بحر اليمن الذي يموج بالصراعات والفتن والنزاعات، وأن هذا الحبل بوسعه بالفعل أن يخرج اليمن من دوامة الحرب، لأن هذا مرتبط في المقام الأول بالنوايا السعودية، التي من المبكر الحكم عليها وعما إذا كانت بالفعل تأتي ضمن تحول استراتيجي في الموقف السعودي باتجاه السيطرة على مشهد الحرب والتحكم بمآلاته والحفاظ على اتساقه الأخلاقي مع أهداف استعادة الدولة وإعادة الاستقرار للجمهورية اليمنية.
أنصار المجلس الانتقالي في عدن على وجه الخصوص، يعيشون تحت وقع التداعيات المحتملة لتشكيل قوات ضاربة من منتسبين قُدامى وجدد ينتمون إلى معظم المحافظات المحررة، كون هذه القوات ليس فقط غير معنية بالمشروع الانفصالي بل هي على الضد من هذا المشروع حتى وإن لم يتحدث قادتها والقائمون عليها عن ذلك صراحة.
إن الاختبار الأصعب الذي ستواجهه هذه القوات، هو قدرتها على الانتشار في مسرح العمليات، دون عوائق قد تتسبب بها القوات التابعة للمجلس الانتقالي، خصوصاً إذا قرر الرئيس أن يضع قصر معاشيق وما يمكن تسميتها بالمنطقة الأمنية الخاصة في عدن تحت سيطرة قوات درع الوطن.
إن أي احتكاك قد يتسبب به إصرار قوات الانتقالي على عدم التنازل عن سيطرتها في محيط القصر الرئاسي قد يؤدي إلى مواجهات شاملة، لكن من المحتمل بالنسبة للمجلس الانتقالي أن تكون المعركة الأخيرة التي ستنتهي حتماً بالخسارة ما لم تتدخل الإمارات بإمداداتها ودعمها السياسي والجوي، وما لم تخضع السعودية وتفتح تضطر إلى أن تفتح قصراً آخر في الرياض لاستيعاب القادة الذين فرضتهم على رأس الشرعية ولم يتمكنوا من البقاء في عدن وهذا ليس مستبعداً.