في البدء دعوني أنبه إلى أهمية الخطوة الإماراتية الأخيرة المتمثلة في تقديم السفير الإماراتي الجديد لدى اليمن حامد الزعبي أوراق اعتماده لرئيس مجلس القيادة الرئاسي في قصر معاشيق بعدن، إذ تمثل دعماً مهماً للسلطة الشرعية التي تتعرض على ما يبدو للتهميش في خضم التحركات السياسية والدبلوماسية التي تطغى على المشهد الإقليمي في هذه الآونة وتدور حول الحرب في اليمن.
كم نتمنى أن يحذو السفراء الجدد حذو السفير الإماراتي ويحرصون على تقديم أوراق اعتمادهم في عدن حيث العاصمة المؤقتة والمقر الرسمي لرئيس مجلس القيادة ووزير الخارجية، فهذا في الحقيقة يمثل دعماً عملياً للسلطة الشرعية ويرسخ من حضورها ومشروعية تمثيلها للشعب اليمني.
ويمكن قراءة ما قام به السفير الإماراتي من زوايا مختلفة، منها أن هذه الخطوة الإماراتية تأتي في سياق استعراض مقصود للمهارة الدبلوماسية، حيث تظهر الإمارات هذه المرة في موقف الداعم للسلطة الشرعية، فيما يستمر السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر بأداء مهامه التي تزداد ضخامة من مقره في الرياض، حيث يجري معظم اللقاءات المفترض أن يجريها المبعوث الأممي وحتى المبعوث الأمريكي مع القيادة السعودية، ويشرف على برنامج إعادة الإعمار في اليمن، وهي مهام من الناحية العملية تقتضي تواجده في عدن على الأقل.
في مطار عدن كان وزير الدولة محافظ محافظة عدن، أمين عام المجلس الانتقالي، أحمد لملس على رأس مستقبلي السفير الإماراتي، وهو تكريم فائض بالمعايير الدبلوماسية، فالشخص المعني بالاستقبال هو رئيس دائرة المراسم في وزارة الخارجية ويمن أيضاً أن يتواجد معه كزيادة في التكريم ممثلون عن مراسم رئاسة الجمهورية.
لكن تواجد الوزير المحافظ والأمين العام للانتقالي في المطار أعطى انطباعاً بأن السفير في ضيافة المجلس الانتقالي وليس في ضيافة الحكومة اليمنية، وهذا ما حرص عليه الانتقالي، ليفرغ الخطوة الإماراتية الإيجابية من مضمونها التضامني الأخوي المفترض، ويكرس شكلاً من النهج المزدوج في بيئة سياسية محفوفة بالتوجسات والخبرات السلبية لدى اليمنيين إزاء النهج الإماراتي تجاه اليمن على وجه العموم.
وبالتزامن مع وصول السفير الإماراتي إلى عدن، زارها أيضاً المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، الذي كان من بين أكثر لقاءاته إثارة للجدل ذلك الذي أجراه مع وزير الدولة محافظ عدن أحمد لملس، العائد مؤخراً من أبوظبي.
ففي هذا اللقاء شدد لملس على ما أسماه حل الدولتين، وعلى حق الجنوبيين في إدارة شؤون محافظاتهم، وهو موقف يعيد الوعي اليمني إلى مربع التوجس من الموقف الإماراتي المساند للمشروع الانفصالي، بما لا يتفق مع ما تنشره الصحف الإماراتية من وقت إلى آخر بشأن التزام الإمارات بوحدة اليمن.
يختزل لملس ومعه قادة المجلس الانتقالي المدعومين بقوة من أبوظبي، الصراع في اليمن على أنه مواجهة بين السلطة الشرعية والمجلس الانتقالي، وهم قبل غيرهم يدركون أن هذه المواجهة ليست أصيلة بل مصطنعة، وجرى تغذيتها بالدعم الكبير والباذخ الذي قدمه التحالف للمجلس الانتقالي وتشكيلاته العسكرية، حيث تقرر أن يخوض المجلس الانتقالي معركة منفصلة ومحسومة النتائج مع السلطة الشرعية، بالتزامن مع تجريد الحكومة والرئاسة الشرعية من إمكانياتها العسكرية والتسليحية، ورفغ الغطاء عنها، بل والتركيز في المعركة القصيرة التي تم خوضها في عدن على ما تبقى للشرعية من قوات موالية ومعسكرات.
إن ما صرح به لملس عقب لقائه المبعوث الأممي يشير إلى أن المجلس الانتقالي وبتشجيع من داعميه مصمم على فرض معادلة صراع غبية وعبثية، يكون هو طرف فيها، وفي الجهة المقابلة تقف في الجهة المقابلة من هذه المعادلة، السلطة الشرعية التي يمثل الانتقالي جزءً مؤثر فيها، وتطغى عليها أولوية المواجهة مع الانقلاب الأساسي على الدولة في صنعاء.
كيف يمكن لوزير الدولة محافظ عدن أن يستمر في أداء وظيفته العمومية تحت القسم على دستور الجمهورية اليمنية، وهو يجاهر في الآن بالأجندة الانفصالية. هذا في تقديري لا علاقة له بالسياسة ولا بأخلاق السياسية وبقواعدها كذلك.
إذ يتعين عليه أن يتخلى عن المنصب الذي أقسم على أدائه لفائدة الجمهورية اليمنية وشعبها، لكي يواصل عمله على خط الانفصال، وإلا فإنه خائن بالمعنى الصريح للكلمة، ويرتكب جرم سياسي بحق الدولة اليمنية، مثله مثل قادة جماعة الحوثي الانقلابية وذات الأجندة الطائفية في صنعاء التي تطالب الحكومة الشرعية بدعم انقلابها وحماية مكاسبه السياسة، والتكفل بدفع مرتبات لمقاتلي الجماعة، لكي يواصلوا حصار المدن ومقاتلة القوات الحكومية وترسيخ الكيان الانقلابي للجماعة.
لا أعتقد أن الشعب اليمني يحتمل هذا القدر من الخيانات التي أطاحت بدولته، فقيادات المجلس الانتقالي في السلطة الشرعية يكررون الدور الخائن الذي أداه الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي عندما سلم عمران وصنعاء للحوثيين وهو يمارس صلاحياته المطلقة رئيساً للجمهورية اليمنية وظل يغالط الشعب اليمني بتأكيداته الغبية أن المدينتين لم تسقطا بل عادتا إلى كنف الدولة.