ضجت شوارع تعز الرئيسية السبت بعشرات آلاف اليمنيين واليمنيات من أبناء المحافظة الذي تحركوا على وقع الشعور بالقلق حيال مستقبل الوطن، واستجابة لنداء المجلس الأعلى للمقاومة بقيادة الشيخ حمود سعيد المخلافي الذي ألقى عشية هذه المسيرة الكبيرة خطاباً اتسم بالنضج السياسي وبالالتزام الثابت والمبدئي تجاه الوطن وجمهوريته وحق الشعب اليمني في استعادة دولته وفق النموذج التوافقي الذي تم إرساؤه في الحوار الوطني الشامل.
بقيت مدينة تعز على عهدها حتى اليوم، ساحة حرية ونضال والتزام لا يتزعزع تجاه مبادئ الثورة اليمنية الخالدة واستحقاقات ثورة الحادي عشر من فبراير، وبقيت هذه الساحة محمية برجال تحيط بهم المؤامرة من كل جانب، وتطلق حزم الاتهامات على أبنائها والمدافعين عنها، ووصمهم بكل ما تضيق به قوامس العصر من الإساءة، وما يمكن أن يبقيهم عدواً لك قطعان الأعداء والمتربصين الداخليين والخارجيين.
كل الذين خرجوا اليوم في تعز وملئوا أكبر شوارعها جديرون بالاحترام والتقدير، فقد تجاوزوا الإحباط وتعايشوا مع الكم الهائل من الاستهدافات التي تطالهم على كافة المستويات وقرروا الإبقاء على سلاحهم في حالة جهوزية كاملة، هذا السلاح هو الإرادة المدنية الواعية، وما أفتكه من سلاح.
لم أكن سعيداً أبداً بالصعوبات التي وُضعت أمام احتفال كان يفترض أن يقام في مدينة مأرب وهي قلعة كبيرة من قلاع الجمهورية. لا شيء يهز ثقتي واحترامي لشخص محافظها وعضو مجلس القيادة الرئاسي الشيخ سلطان العرادة، لأنني أدرك طبيعة التحديات والضغوطات والالتزامات التي يتوجب عليه مراعاتها والعمل لأجلها، بعد أن وضعت مدينة مأرب تحت ضغط عسكري يؤازره ضغط مواز من الابتزاز الإقليمي.
ومع ذلك لا يجب أن تبقى مأرب ساحة للتضحية بأنبل الرجال فقط، دون أن يكون لهؤلاء الرجال، وللملايين من اليمنيين الذي تجمعوا في ساحتها، حق الاحتفاء بمناسبة وطنية مهمة بحجم ثورة 11 فبراير 2011، فهذه الثورة هي من يحركهم ويدفعهم إلى التمسك بالوطن والثورة والجمهورية، بعد أن ذاقوا طعم الحرية والإنجاز وأدركوا الأهمية العظيمة لأن يمسك الشعب بزمام المبادرة.
لكل هذه الأسباب يمكن لنا أن ندرك الأهمية العظيمة لبقاء ساحة تعز هادرة بالجماهير المؤمنة بالدولة والجمهورية، والظهير العظيم للمقاومة الشعبية والجيش الوطني. الحرية هي الوقود اللازم لإبقاء جذوة الثورة مشتعلة، ولضمان الحد الأعلى من منسوب الكرامة لدى الشعب اليمني ليبقى يقظاً ومستعداً للتضحية وعدم التفريط بالوطن وبالحرية وبالكرامة.
لفت نظري الخطاب المسؤول لرئيس المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية الشيخ حمود المخلافي، الذي جدد الالتزام تجاه الدفاع عن الوطن، وعبر في الآن ذاته عن تقديره واحترامه لكل القوى السياسية والقيادات والشخصيات الوطنية، قبل أن يدعو الجميع إلى الاصطفاف الوطني في هذا المنعطف الخطير وعدم التخندق ضمن المشاريع السياسية الصغيرة والشخصية والفئوية والجهوية.
هذا النهج من الانفتاح يحتاجه اليمن في هذه المرحلة، وأرى أن تعز مرشحة أكثر من غيرها لاحتضان تجمع وطني نوعي يقف أمام تحديات المرحلة الراهنة وإقرار مسار وطني واضح للتحرك بما يضمن بقاء صوت الدولة اليمنية عالياً أمام كل المحاولات المبذولة لتحويل اليمن إلى تركة مستباحة يتقاسمها لئام العصر، والكيانات المصطنعة كما وصفها قائد المقاومة الشعبية.