تلقت عدن وهي العاصمة السياسية المؤقتة لليمنيين خلال الأيام الماضية منحتين ماليتين كبيرتين الأولى وديعة سعودية بقيمة مليار دولار والأخرى تعهدات دولية بمنح تصل إلى مليار ومائتي مليون، وتردد في أجواء المدينة صدى تصريح لرئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي عبر صحيفة تملكها عائلة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وتضمن رأيا سياسيا معتمدا من الجميع حول القضية الجنوبية.
تنكروا للإنجازات المالية للرئيس ورئيس الحكومة، بما تمثله المبالغ المجلوبة من حلول ملحة للمشاكل المعيشية لليمنيين في الشمال والجنوب والشرق والغرب، وركزوا على تصريحات الرئيس حول القضية الجنوبية، التي يفترض أن يخجلوا لأنها بقيت قضية رغم أن الدولة والإمكانيات والسيادة وضعت دفعت واحدة تحت تصرف القادة الجنوبيين.
لن أتساءل عن السبب الذي دفع الرئيس للحديث عن القضية الجنوبية، ولكن سأدع الأمر لذكاء الانفصاليين ليجيبوا على تساؤل من هذا النوع، بدل الانقلاب العسكري الخائب الذي تورطوا فيه وعرضوه بخجل شديد على أنصارهم قبل أن يتبرؤوا منه بشكل كامل رغم وجود كافة المظاهر التي تشير إلى أن عدن واقعة في قبضة عصابات مسلحة تستثمر فائض السلاح بشكل مقزز لاستجداء الانفصال من رئيس دولة أعزل، كل قوته أنه يمثل الدولة المعترف بها دوليا.
تصريحات الرئيس رشاد إنا أنها رسالة سعودية للتذكير بقدرتها على إنفاذ اتفاق الرياض وإعادة فرض استحقاقاته بتأثير التنافر السياسي الواضح بينها وبين شريكتها في التحالف الإمارات، أو أنه تصريح فرض على الرجل لاستدعاء ردود أفعال تكون مسوغة لأن يصدر الرئيس توضيحا يثبت التزامات على سلطته الضعيفة تجاه القضية الجنوبية المزعومة.
لم أجد حركة تدعي أنها وطنية وتمارس هذا القدر من الارتهان على مستوى القرار والمشروع والمصير. المجلس الانتقالي والقوات الملتحقة أفرغا الجزء الأعظم من جهدهما العسكري الميداني في ملاحقة الأهداف الجيوسياسية للإمارات، فقد حركتهم في شبوة وأبين لمحاربة الإرهاب وحركتهم باتجاه الساحل الغربي وأوصلتهم تحت غطاء الاباتشي ومدفع جنهم إلى مدينة الحديدة، ثم سحبتهم من الحديدة إلى شبوة ضمن مخطط إسقاط محافظها محمد بن عديو والذريعة مقاتلة الحوثيين ، الذين مثلت إعادة انتشارهم في مديريات شمال غرب شبوة جزء من مخطط متفق عليه للضغط على القوات الحكومية، مع التسليم بأنه يظل للحوثيين هدفهم الخاص وان نسقوا أو تواطؤا.
عندما فكر المجلس الانتقالي أن ينتشر إلى ما هو أبعد من شبوة، أي بالاتجاه شرقا صوب حضرموت والمهرة لم يستطع لأن قوته الخارقة وبسالة مقاتليه الجنوبيين (الشجعان) تعطلت عند هذه الحدود، بل إن قواته لم تذهب بعيدا باتجاه الشمال من مدينة عتق.
وبالنتيجة فإن المعركة الوحيدة التي خاضها الانتقالي دفاعا عن مشروعه كانت معركة طرد الحكومة والرئيس هادي من معاشيق ، وكلنا يعلم أنها تمت بأسلحة التحالف ودعمه السياسي.
وبقي أن أشير إلى ذيول المعركة التي امتدت إلى منطقة الشيخ سالم بين زنجبار وشقرة في محافظة أبين. عدا ذلك فإن معارك الانتقالي كانت بالأجر اليومي وبالريال السعودي، ولم تكن تضع حدودا أو تستعيد حدود الدولة الجنوبية.
ما عملته تلك القوات هي أنها قاتلت بالوكالة، ورهنت ومعها المجلس الانتقالي قرارهما ومشروعهما للتحالف، وعبر انقلاب عسكري جديد وخجول واصل الانتقالي وقواته وأنصاره النواح على الدولة الجنوبية والمطالبة، من العاصمة عدن، التي يسيطرون عليها عسكريا، باستعادة الدولة، ويواصلون دون خجل، العربدة والاعتداءات على المقرات المدنية وآخرها مقر نقابة الصحفيين اليمنيين.