هيئة التشاور والمصالحة تصدرت اهتمام المتابعين للشأن اليمني، بعد أن خرج اجتماعها المطول بثلاث وثائق منها وثيقة اللائحة التنفيذية ووثيقة الإطار العام للرؤية السياسية لعملية السلام الشاملة، ووثيقة مبادئ المصالحة بين القوى والمكونات السياسية الشرعية، وسط حفاوة كبيرة من جانب رئيس مجلس القيادة الرئاسي بهذه النتائج، واستثارت حفيظة المجلس الانتقالي الجنوبي رغم أنه أحد ممثليه يتولى رئاسة هذه الهيئة.
لا يمنح إعلان انتقال السلطة هيئة التشاور والمصالحة، أية صلاحيات تشريعية، ويحصر مهامها بالعمل على بناء التوافقات بين المكونات السياسية للشرعية، وينص الإعلان بشأن هذه الهيئة على أن "تنشأ بموجب هذا الإعلان هيئة تجمع مختلف المكونات لدعم ومساندة مجلس القيادة الرئاسي والعمل على توحيد وجمع القوى الوطنية بما يعزز جهود مجلس القيادة الرئاسي وتهيئة الظروف المناسبة لوقف الاقتتال والصراعات بين كافة القوى والتوصل لسلام يحقق الأمن والاستقرار في كافة أنحاء الجمهورية".
كما ينص على أن "تعمل الهيئة على توحيد رؤى وأهداف القوى والمكونات الوطنية المختلفة، بما يساهم في استعادة مؤسسات الدولة، وترسيخ انتماء اليمن إلى حاضنته العربية".
واللافت أن الإعلام المساند للانتقالي وبعضه يخدم السياسة الإماراتية تجاه اليمن، بدأ يقلل من أهمية هذه الهيئة ودورها الذي يبدو أنه يضع المجلس الانتقالي في مأزق الالتزام بهذا الدور والتصرف وفق أهداف الهيئة، إذ لا يمكنه أن يستمر في إحداث الشلل في مجلس القيادة الرئاسي وفرض أجندات مثيرة للانقسام، وفي الوقت نفسه يمنح الغطاء السياسي لهيئة مهمتها بناء التوافقات وتعزيز صفوف القوى السياسية المكونة للسلطة الشرعية.
الأخبار التي يتداولها الإعلام المساند للانتقالي تأتي ضمن توجه واضح لإثارة النقاش وتوجه مسار الجدل حول أن هذه الهيئة على سبيل المثال تحاول أن تسرق دور مجلسي النواب والشورى، خصوصا بعد أن تم استحداث لجان في هذه الهيئة، لم ينص عليها إعلان نقل السلطة، وهو ما يتناقض مع كل التصورات التي كانت ترى أن الهيئة ربما استحدثت لتكون بديلا عن مجلسي النواب والشورى، اللذين لا يوجد تمثيل فيهما للمجلس الانتقالي إلى بعدد قليل من الأعضاء الذي انضموا للمجلس وكانوا في السابق أعضاء في الحزب الاشتراكي اليمني على وجه الخصوص.
وعلى الرغم من أن المتابعين ركزوا منذ البدء على مغزى تشكيل هذه الهيئة وفرضها من جانب التحالف، كبديل للهيئات الدستورية وفي مقدمتها مجلس النواب، فإن التركيز على هذه النقطة من جانب الانتقالي يعكس ثقل هذه الهيئة ودورها على المجلس بشكل صريح وواضح.
ومن الواضح وفقا للاعتبارات السابقة، أن ممثلي المجلس الانتقالي الجنوبي في هيئة التشاور والمصالحة، بمن فيهم رئيس الهيئة، قد أخفقوا في توجيه النقاشات داخل الهيئة نحو أولويات مجلسهم، الذي يريد أن يفرض قضية الانفصال على أجندة المفاوضات الهادفة إلى ضمان استعادة الدولة.
غير أن هذا التوجه تعترضه صعوبات عديدة بعضها بات يرتبط بالتغير الحاصل في الموقف السعودي من هذا المجلس، بعد أن تبدت مخاطر تفجير الوضع في الجنوب وتفكيك السلطة الشرعية، على نحو يضعفها كثيرا أمام استحقاقات المرحلة المقبلة، والتي لن تقتصر على المشاورات بل إنها قد تذهب نحو خوض جولة جديدة من الحرب.