ما يدور في مديرية حريب التابعة لمحافظة مأرب ومديرية مرخا التابعة لمحافظة شبوة، يمثل نموذجاً للمعارك التي تدور على هامش الحرب وتبدو عبثية إلى حد كبير، رغم أن دافعها بالنسبة لجماعة الحوثي هي مزيج من التكتيك المنفتح على احتمالية تحقيق مكاسب جديدة على الأرض، واستثمار الهدنة في اختبار قوة المواجهة مع الطرف الآخر بعيداً عن العامل الجوي، والرغبة في تأمين خطوط الامداد بين مأرب ومحافظة البيضاء.
على أن لهذه المعارك مغزاها السياسي أيضاً، إذ تبدو محاولة مقصودة من جانب الحوثيين، لإبقاء مسرح الحرب مع الأطراف الداخلية مفتوحاً على تطورات أكثر خطورة قد تصل إلى التصعيد العابر للحدود، الأمر الذي يبقي هذه المعارك شكلاً من أشكال الابتزاز، دافعه الضغط من أجل إعادة تنشيط محادثات الهدنة تحت سقف المطالب الحوثية المقدمة إلى الرياض.
وتكمن خطورة هذه المعارك التي تجري في معزل عن التدخل الحاسم للطيران، في أنها تعطي انطباعاً بأن ما يجري هو استنزاف، يُعزى إلى تكافؤ القوة النارية، في حين تكشف هذه المعارك حدود القوة لدى الطرف الذي يدعي الانتصار في الحرب.
وهذا التكافؤ في مسرح العمليات، بين طرفي المواجهة، لا يمكن تغييره إلا بحشود استثنائية تشبه تلك التي قام بها الحوثيون طيلة العامين الماضيين تحت إشراف إيران وأدواتها، من أجل إسقاط مدينة مأرب، التي توصف في أدبيات الانحطاط السياسي لنشطاء وأنصار المتآمرين الإقليميين، بأنها مجرد "دوار(جولة) وشارعين"، ولا يبدو أنهم قادرين على تأمينها.
إن اتساع نطاق مسرح العمليات ليشمل مديريتين أحدهما تقع ضمن الجزء الشمالي من اليمن(حريب)، والأخرى ضمن الجزء الجنوبي منه (مرخا)، يضع أدعياء القوة الجنوبية الخارقة في مأزق، وهم يواصلون الادعاء بأن قواتهم تقاتل نيابة عن 30 مليون شمالي، وهذا النوع من الطرح يُفرغ المواجهة مع الحوثيين من مضمونها الوطني، ويمنح الحوثيين فرصة لتحقيق أهدافهم العسكرية، وسط انقسام لا يبرره الخطر الذي يستهدف الجميع.
استغل مغردون جنوبيون معارك حريب وملعاء للتحريض على المنطقة العسكرية الأولى، إذا طالبوا في هاشتاج مثير للشفقة، بسبب ضعف مضمونه ومحدودية النصوص التي تم التغريد بها من قبل الناشطين، بحيث تكررت بذات المضمون الحرفي، مما يشير إلى فقر الخيال لدى هؤلاء الناشطين، وكلها توحي بأن حسم معركة حريب وإنقاذ حقول النفط مرهون بتحريك قوات المنطقة الأولى إلى مسرح العمليات، مما يكشف عن أن أزمة المجلس الانتقالي مع حضرموت ومنطقتها العسكرية الأولى لا تزال قائمة، وكأن الأمر لم يحسم وبصورة قطعية من جانب السعودية.
لا أعتقد أن عاقلاً في هذا الوطن سيعارض فكرة إعادة انتشار القوات بما يسمح بتعزيز كفاءة القوات الحكومية لمواجهة وهزيمة الحوثيين في مأرب وفي غير مأرب، لكن من قال إن هذا الأمر سيطرح على طاولة النقاش، وأن التحالف بقيادة السعودية، سيسمح به، فقد عمل التحالف على منع أي تحرك للقوات المسلحة اليمنية، تتوفر له الإمكانيات التسليحية ويضمن امداداً لا ينقطع من المؤن والذخائر والدعم المادي بمختلف صوره، فقد تحقق من هذا القليل ومع ذلك تمكن الجيش الوطني من بلوغ المشارف الشرقية للعاصمة صنعاء.
لقد تبين للجميع خلال السنوات الثمان الماضية من زمن الحرب، بأن التحالف لم يكن جاداً في خوض المعركة الحاسمة مع الحوثيين، ولم يكن من أولوياته الوصول إلى هذا الهدف، لهذا ستبقى النقطة الأكثر وضوحاً في مجرى الحرب، هو أن التحالف عمل بقوة على عدم خوض معركة عسكرية حقيقية، كما لم يسمح بتراكم الانتصارات العسكرية والبناء على الهجمات الناجحة التي خاضها الجيش الوطني خصوصاً في جبهة شرق صنعاء.