بين حرص الحوثيين على تقديم السعودية كطرف في الحرب في توقيع اتفاقية السلام، وبين رغبتها في التوقيع كوسيط ثمة فرق في التكييف النهائي للحرب، كحرب أهلية يمنية، أو كحرب بين دولتين السعودية كطرف والحوثيون كطرف ممثل عن اليمن كما يرغبون ويريدون.
ولا يبدو لي أن السعودية ستخضع للرغبة الحوثية، إن تطلب الأمر ستعلن انسحابا أحاديا عن الحرب، ولا أن تمنح الحوثيين اعترافا بتمثيل الدولة اليمنية من خلال اتفاق ثنائي معها.
فتقديم المملكة لنفسها كوسيط هو بحد ذاته مكسب مهم للحوثيين، فقد تخلت المملكة بموجبه عن دعم الحرب واستمراراها، كما يبدي حسن نية تجاه الحوثيين للقبول بهم كطرف في التسوية السياسية بين اليمنيين، إلا أنه لا يلبي كما يبدو كل رغبات الحوثيين في الحصول على انتصار كامل، والاعتراف بهم كممثلين للدولة اليمنية من خلال الاتفاق المباشر مع المملكة، والحصول على اعترافها.
إلا أن فرص الحوثيين في استئناف الحرب تجاه السعودية لفرض رؤيتهم عليها تبدو ضئيلة مع مستجد الاتفاق الإيراني السعودي... وليس أمامهم إلا المناورة والإبقاء على الظروف الراهنة كما هي مع وقف الحرب دون اتفاق، والتفاوض لتحسين الشروط والثمن المقابل للقبول بالرؤية السعودية، أو القبول بها كما هي الآن أن طلبت منهم إيران ذلك...
إذ تبدو مساحة المناورة السعودية أوسع مما هي لدى الحوثيين، مع كبح جماح الحرب إقليميا ودوليا، فالحرب هي وسيلة الأطراف لفرض رؤاهم على الأطراف الأخرى، والحوثيون ليسوا استثناء، فلا مجال لاستئناف هجماتهم تجاه المملكة للضغط عليها مع وجود الاتفاق الصيني... وليس أمامهم إلا استئناف بعض الهجمات المحلية التي لن تمثل تهديدا مباشرا أو ضاغطا على المملكة.
لكن ما هو مكسب السعودية من تقديم نفسها كوسيط في اتفاق السلام، أن كانت هذه التسوية ستكرس السيطرة الحوثية على أجزاء مهمة من اليمن، مع دمجهم كطرف في الحكم يتساوى في الشرعية مع الأطراف المدعومة من السعودية؟!.
يمكن القول إن أهم مكسب للمملكة من تقديم نفسها كوسيط هو إخلاء مسؤوليتها عن الحرب وعن نتائجها، وعن دفع أي تعويضات بشكل ملزم لأي طرف بما في ذلك اليمن ككل، إلا ما تقبل دفعه كدولة راعية لعملية السلام...
والأهم من ذلك هو عدم الاعتراف بالحوثيين كدولة من خلال عدم التوقيع على اتفاق ندي معهم وكأنهم دولة مقابل دولة، وهو ما يعني استمرار اعترافها بالمجلس الرئاسي كممثل شرعي لليمن، وان قبل الحوثي بالتسوية فلن يكون أكثر من طرف بين عدة أطراف، وهو ثمن أقل بكثير مما دفعه في الحرب، وإن كان لا يناسب اليمن كدولة، فهو يناسب السعودية، فهي على الأقل لا تترك اليمن للحوثي وحده، وستتركه بدولة ضعيفة وخارجة من حرب ستحتاج لرعاية السعودية الاقتصادية في كل الأحوال، وبالتالي لهيمنتها السياسية كذلك...
ختاما... الخلاف حول دور السعودية كوسيط أو طرف في الحرب، ليس خلافا بسيطا كما يبدو، فهو المدخل لما ستبدو عليه التسوية السياسية ككل، بين أن يكون الحوثي ندا للسعودية كدولة، وبين أن يكون مجرد طرف سياسي من ضمن عدة أطراف يمنية أخرى...