فيما انتهت الحرب اليمنية إلى بقاء الحوثيين مسيطرين على العاصمة صنعاء، ومعظم المحافظات الشمالية، تبدو سيطرة الانتقالي على عدن ومعظم المحافظات الجنوبية هي المتغير الوحيد الجوهري الذي أفرزته مخرجات الحرب...
وكأن هناك من هندس الحرب منذ البداية، ومنذ توقفها عند الحدود الشطرية في 2015 لتنتهي إلى هذه النتيجة الأكثر وضوحا الآن، خاصة بعد الإطاحة بشرعية هادي، واستبداله بمجلس رئاسي نصف أعضائه ذو توجهات انفصالية جنوبية، مع سيطرة فعلية على معظم الجنوب.
ووفق المعطيات الراهنة ما ينقص الانتقالي لإعلان دولته، هو جدية رعاته الإقليميين في دعم إعلان الدولة، وتوفير حاجاتها المالية اللازمة لتشغيل دولة جديدة، وتوفير الاعتراف الدولي لها..
ربط إعلان الدولة بالتفاوض مع الحوثيين من خلال الشرعية، أو معها مع شغل نصف أعضائها، من وجهة نظري لن يؤدي للحصول على دولة جنوبية، لا الحوثي سيقبل بذلك، ولا حتى النصف الآخر في المجلس الرئاسي الممثل للشرعية قد يقبل بذلك أيضا...
الجمع بين مطلب استعادة الدولة، وبين التفاوض مع الحوثيين لا يبدو لي أمرا مفهوما، إلا إذا كان الهدف أمرا آخرا، يتغطى بسقف مرتفع يتمثل في مطلب استعادة الدولة، فهل يكون دولة فيدرالية من إقليميين، شمالي وجنوبي، هو الهدف الحقيقي لرعاة الانتقالي الإقليميين؟!.
شخصيا، لا أستبعد ذلك، فدولة فيدرالية من إقليميين مطلب معقول مقارنة بمطلب الانفصال، كما أنه يمكن تمريره مقارنة بالانفصال. كما أن الإقليم الفيدرالي خطوة ضرورية ولازمة لتجهيز أجهزة الدولة، ومؤسساتها الشرعية قبل الذهاب إلى إعلان دولة مستقلة.
ومع سيطرة الحوثيين على العاصمة ومعظم الشمال فإن خلق إقليم جنوبي قد يخلق بعض التوازن مع الحوثيين من باب التوازن بين الشمال والجنوب، وتحت مطالب الشراكة الحقيقية بينهما للحفاظ على وحدة الدولة قد يخفف من السيطرة الحوثية الشمولية على مؤسسات الدولة المركزية.
لهذه الأسباب وغيرها، يمكن للمرء التكهن بأن يمن فيدرالي من إقليمين شمالي وجنوبي قد يكون خيارا مطروحا على طاولة القوى الإقليمية والدولية التي تدير الحرب اليمنية. فهو خيار يملك معطياته على الأرض كما أنه كخيار يبدو أكثر واقعية في عالم معطيات ما بعد الحرب عن غيره من الخيارات الأخرى التي فقدت القدرة على الفعل والتأثير.
أنا هنا لا أبشر بهذا الخيار، أو أدعو لموقف منه، أو معه، فقط هي محاولة لفهم معطيات اللحظة الراهنة، وتوجهاتها المستقبلية كما خلقها ويخلقها القادرون على الفعل والتأثير من القوى الإقليمية والدولية المتحكمة بإدارة الحرب اليمنية.