المتابع لخطة الزيارة المثيرة للجدل، التي يقوم إلى عاصمة محافظة حضرموت، عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، والذي يشغل منصباً رفيعاً في الدولة اليمنية هو عضو مجلس القيادة الرئاسي، يدرك جيداً حجم الدعم المقدم من دولتي التحالف، لهذه الزيارة وأهدافها السياسية والانفصالية دون اليقين بطبيعة الموقف السعودي النهائي من خطة تمكين الانتقالي، أخذا بعين الاعتبار أولوياتها الجيوسياسية تجاه المناطق الشرقية من اليمن.
تشكل محافظة حضرموت "بيضة القبان" -كما يقال- في ترجيح المشروع الانفصالي، بعيداً عن عوامل أخرى مؤثرة، ومنها القوى الوطنية التي تواجه الحوثيين، وتتأهب لمواجهة مخطط دولتي التحالف لفرض الانفصال بمزيج من تثوير الإرادة الجنوبية، وفرض القضية على أجندة التسوية السياسية للأزمة والحرب في اليمن.
وبينما انتقل عيدروس الزبيدي إلى المكلا عبر طائرة إماراتية خاصة، كان موكبه العسكري الذي يتكون في حجمه من لواء قتالي كامل تقريباً، يتحرك براً نحو المدينة لتأمين حياة رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ورفاقه القادمين من عدن، في استعراض للقوة، ينطوي على رسالة واضحة بأن المكلا ها هي تسقط في النهاية في يد المجلس الانتقالي رغم الاعتراضات التي تبديها القوى الحضرمية عبر مكونات وازنة تشمل فيما تشمل مرجعية قبائل حضرموت، ومؤتمر حضرموت الجامع، وغيرها من الوجاهات الاجتماعية والقوى السياسية التي تتبنى معادلة "حضرموت جزء من يمن اتحادي أو دولة مستقلة".
ما فشلت فيه عملية "سهام الشرق"، التي كان عيدروس الزبيدي قد أعلنها لمحاربة الإرهاب في حضرموت بعد شهر تقريباً من تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، وهي ذريعة هدفها الأساسي إخراج القوات الحكومية من مواقعها في حضرموت، ها هو يتحقق عبر عملية سياسية أثث لها عضو مجلس القيادة الرئاسي فرج البحسني، الذي أصبح نائباً لرئيس المجلس الانتقالي.
فقد استبق البحسني زيارة الزبيدي التي سيشارك خلالها في اجتماع لما تسمى "الجمعية الوطنية الجنوبية"، برفع الأعلام الانفصالية على المنشآت الحكومية المركزية والمحلية في مدينة المكلا، في خطوة لم يعترض عليها محافظة حضرموت عوض بن ماضي، مما يشير إلى أن الرجل جزء من المخطط، ويبرهن على أن لا تحفظات سعودية على خطوة كهذه، وأن الأمر يرمي إلى كسر الإرادة الحضرمية بهذه الطريقة التي لم تقف عند حدود استعراض القوة، ولم يتم اختبارها عبر ردة فعل شعبية لأبناء حضرموت، من المفترض أن نراه في تجمعات حاشدة في مدن وادي حضرموت أكثر منها في مدينة المكلا التي تفتقد على ما يبدو إلى زخم متصل بإرادة أبناء حضرموت، نظراً لتأثير الفعاليات السياسية والكوادر المرتبطة بالدولة الجنوبية، والتي جرى استقطابها ضمن مخطط الهيمنة الإماراتي التي فُرض عبر القوة والسمعة المخيفة لمعتقل الريان الرهيب.
إن انعقاد الدورة السادسة لما تسمى بالجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي في مدينة المكلا، يمثل حدثاً مهماً في سياق التجاذبات التي تشهدها الساحة الحضرمية، والأمر مرهون بمستوى ردود الفعل المتوقع من المكونات الحضرمية لرفض تحركات الانتقالي، وإفساد الدور الذي قام ويقوم به فرج البحسني، بعد إعادة تموضعه ضداً على إرادة أبناء حضرموت.
ولعل ما يلفت النظر في البيان الصادر عن المكونات الحضرمية إلى جانب إدانته ورفضه لتحركات المجلس الانتقالي، هو أنه كشف عن نية هذه المكونات للتحرك باتجاه الرياض لمقابلة القيادة السعودية، وهو أمر يكشف عن يأس من إمكانية الانتصار على المشروع الانفصالي عبر الدولة اليمنية ومؤسساتها، بعد الدور المخيب للآمال لمجلس القيادة الرئاسي ورجاله المحسوبين على الدولة اليمنية.
لكن ذلك لا يعفي المكونات الجنوبية من الدور الأهم؛ وهو تحريك القوة الشعبية في مواجهة تحرك الانتقالي الذي ستند القوة الممنوحة له من دولتي التحالف وبالأخص من الإمارات، التي تؤمن دعماً عسكرياً جوياً لتحركات رئيس المجلس الانتقالي في المكلا.