الدبلوماسية السورية بقيادة الرئيس الشرع ووزير خارجيته أثبتت أنها نموذج فريد يصعب تصديقه في ظل الظروف المعقدة التي تمر بها سوريا.

إنه أداء دبلوماسي ناجح ومبهر بامتياز، يصعب على المتابع تصديق أن من يقوده هم قيادات حديثة العهد بالعمل الدبلوماسي.
في بضعة أشهر، تمكّن "الشرع" من إقناع قوى إقليمية ودولية كبرى بحجم المملكة العربية السعودية، وألمانيا، وفرنسا، بأن تجعل الملف السوري في صدارة أولوياتها.
تم ذلك في ظل تعقيدات سياسية واقتصادية هائلة، ودائرة خصوم واسعة تمتلك نفوذًا لا يُستهان به.
ورغم ذلك، استطاع "الشرع" تفكيك الألغام وتجاوز الحواجز وتحقيق ما عجزت عن تحقيقه دول قائمة ومستقرة.
بالأمس، وقف "الشرع" محاورًا لرئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، بعد أن كان على قوائم المطلوبين دوليًا، بُرصدت لاعتقاله مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار.
واليوم، أصبح اسمه يتردد في المحافل الدولية بكل تقدير، ويحظى باحترام قادة الدول الكبرى.
لقد برز "الشرع" ودبلوماسيته كأحد اللاعبين الكبار في لعبة المصالح الدولية، ليؤكد مجددًا أن العالم لا يحترم سوى القائد القادر على فرض رؤيته، والمبادِر لا التابع، وصاحب القرار لا الباحث عنه.
صحيح أن تركيا أدت دورًا مهمًا في دعم الملف السوري، لكن مهما كان حجم الدعم، فإنه لا يُثمر دون لاعب ماهر وقائد استثنائي.
من مطلوب على قوائم الإرهاب، إلى قائد يحاوره قادة العالم ويصافحونه باحترام… إنها دروس في فنون القيادة والإرادة لا تُنسى.
الدرس السوري اليوم ليس فقط في الإنجاز، بل في الرسالة التي يوجهها – دون أن يقولها – لكل من رهن قراره الوطني للغير، وضيّع مصالح بلاده في انتظار إذن أو إشارة.
وهنا يبرز السؤال الصادم والمشروع:
لماذا تحظى سوريا بهذا القدر من الاهتمام في أولويات المملكة العربية السعودية، بينما يُترك الملف اليمني تحت تصرف السفير السعودي؟
لماذا يقف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على رأس أولويات الملف السوري، بينما لا يظهر الملف اليمني إلا في الظلال، رغم ما يفترض من أن اليمن يشكل العمق الاستراتيجي والمجال الحيوي الأول للمملكة؟
منطقيًا وسياسيًا، يفترض أن اليمن أولوية تتقدم على سوريا في حسابات السعودية.
ومع ذلك، نجد الفرق هائلًا بين تعاملها مع الملفين.
هناك، حوار مباشر مع الرئيس… وهنا، وفود تنتظر إذن اللقاء من مكتب السفير.
إنها لحظة مكاشفة حقيقية يجب أن تخوضها القيادة الشرعية اليمنية والنخبة السياسية بكاملها.
لن نخوض هنا في تفاصيل الأحداث التي أوصلت الملف اليمني إلى هذا المستوى المتدنّي والمُهين، لكننا نُذّكر فقط بأن التنازل عن القرار، والتفريط بالمكانة، والتقاعس عن حماية السيادة، لا يقود إلا إلى تهميش يجرّ الهوان.
ما فعله "الشرع" ليس معجزة، بل قرار وطني شجاع، وتحرك مدروس، وإرادة لا تتنازل.
فمن أراد احترام العالم، عليه أولًا أن يحترم نفسه.
ومن أراد أن يصنع مجد بلاده، فلا ينتظر أن يصنعه الآخرون نيابةً عنه.