قال الكاتب المصري الكبير محمد حسنين هيكل، اليمن قبيلة تريد أن تكون دولة، كلام يصدر من كاتب سياسي صاحب تجربة سياسية خاض مرحلة مهمة من مراحل النضال العربي، وما يؤكد كلامه أن الحقل السياسي في اليمن لم يتحرر من سلطة القبيلة، وكانت الأحزاب السياسية تتسابق لكسب ولاء القبائل، وقوة تأثير الحزب جماهيرا يعتمد على القبيلة نفسها.
فالمجتمع اليمني جنوبه وشماله مجتمع قبلي، وتأثير القبيلة متجذرا في سلوك الأفراد، والمناطق المدنية محصورة في عدن وجزا من تعز والمكلا، على اعتبار أنها مدن بنسيج اجتماعي تمرد على القبيلة، بحكم تنوعه العرقي والثقافي والرقي الفكري الذي تشكل من هذا التنوع، وهو اليوم مستهدف من قبل القبائل وصراعها على السلطة.
القبائل التي تتلقى دعم غير محدود من قبل المحيط الإقليمي المتآمر على الدولة الوطنية في اليمن، يريدها دولة تستقيم على ثقل قبلي وأسري، عرقي سلالي، خالية من أي فكر سياسي، فنجد المجتمع أول ما ينقسم لا ينقسم على فكر سياسي، بقدر انقسامه القبلي والمناطقي والعقائدي، وهذا ما يخدم القوى التقليدية والعسكرية، وبنيتها القبلية، وهي التي تمسك بأطراف المشهد السياسي، ووكلا يجره إليه في تشظي واضح، قبائل ومناطق وجهوية، حتى الايدلوجيا التي كانت تسيطر على الجنوب صارت بحامل قبلي ومناطقي، مجتمع كهذا فقد قدرته على إنتاج سلطة مدنية، ترسم شكل الدولة الجامعة، ليكن نمط دولة الجماعة هو السائد، دولة مبنية على القبيلة وتضيق حلقات البنى فيها لمستوى القرية.
دولة كهذه من الطبيعي أن تكون التشكيلات الأمنية ولائها للقبيلة وقائدها، والوطن مجرد شعار وراية للمزايدة فقط، دولة تستند على قائد هو مصدر الثقة، ومصدر القرار، تتوزع أسرته على مواقع مهمة تحمي سلطة الأسرة والقبيلة.

وبالتالي لا تغيير حقيقي، تبقى القوى التقليدية والعسكرية القبلية هي نفسها تحكم، وإن تغيرت الأوجه.
كل السلطات المتعاقبة على البلد لم تأتِ بإرادة الناس، بل أتت بحامل أيدلوجي ودعم قبلي أو مناطقي وجهوي معزز عسكريا، وبالتالي لا تمثل تطلعات الشرائح الأكبر بالمجتمع، بل تمثل تطلع نخبة هي التي تتكون منها السلطة والمناصرين.
ولهذا تقاتلوا في الجنوب على السلطة بمجرد تفكير المستعمر بالرحيل، وظلت القبيلة في الشمال تفرض نفسها حاكمة، بالتوارث والاصطفاء القبلي، حتى وصلت للاصطفاء الإلهي، وتقسيم الناس لأسياد وعبيد، وتحولت المجتمعات لقطيع.
صحيح أن الشعب اليمني يقاوم هذه التركيبة، ويثور ويسمح له أن يثور بحيث لا يهدد التركيبة، حينها ترفع العصاء، كما لوح بها في كل المراحل، قال الكاتب المصري الكبير محمد حسنين هيكل، اليمن قبيلة تريد أن تكون دولة، كلام يصدر من كاتب سياسي صاحب تجربة سياسية خاض مرحلة مهمة من مراحل النضال العربي، وما يؤكد كلامه أن الحقل السياسي في اليمن لم يتحرر من سلطة القبيلة، وكانت الأحزاب السياسية تتسابق لكسب ولاء القبائل، وقوة تأثير الحزب جماهيرا يعتمد على القبيلة نفسها. هذه العصاء التي تدافع عن المقدس، مشروع وراية وقائد، أن بحثت في محتوى هذا المقدس ستجده يحمي سلطة القبيلة.
مع الأسف أن البعض يرى في هذه السلطة ضرورة تاريخية، ولكنه يتجاهل أن لا ضرورة بدون حرية، الحرية تضع الضرورة المقرونة بالمسؤولية، بل وتستطيع إعادة تفكيكها وإعادة إنتاجها إن لزم الأمر مرة ومرات، دون أن تحدث انفجار يستفز تركيبة السلطة وهي القبيلة، وترفع عصاها لتفكك المجتمع معها وضد، واقتران السلطة بالمسؤولية أن تجعل العسكري يقف موقف شجاع لخدمة الوطن، وليس لحماية السلطة وما تحمله من جهوية وايدلوجيا وعقيدة، تحمي الوطن والمصالح العامة وتخدم تطلعات الناس وحقوقهم وكرامة الأمة.
القبيلة أن اجتمعت اغتصبت السلطة، وأن تفرقت تقاتلت عليها، وفي كل الأحوال المواطن هو الخسران، ويضيع الوطن تحت بسبب قائد بليد وراية مقدسة وشعار للمزايدة، حيث لا يسمح للحرية أن تبدي رأيها وتختار ما يلبي تطلعاتها، اغتصاب يحول الجماهير لمجرد قطيع في مزرعة الحاكم، بعد أن استطاع تشكيل أدواتها الإعلامية واستحوذ على أدوات المجتمع المدني، فلا غرابة أن نجد من يفتي بتقديس المقدس، وأمن يرفع عصاه ليهدد من يخرج عن الحاكم وعن مشروعه والراية، فالوطن وطنه ونحن عبيد، إنها عبودية الجهل والتخلف، عبودية المصالح، عبودية السلطة والمال والجاه.
أكيد سلطة كهذه لن تنظر للناس، ولن تهتم لاحتياجاتهم، تنصب جهودها في حماية أركانها، تربرب عسكرها وتنمي قدرتها الدفاعية، وتجمع حولها المنافقين والافاقين، ومن يتماهون معها في الجهوية، وترمي الفتات لمن أراد أن يقتات من فتاتها، فتغتصب المؤسسات وتهدر طاقاتها ومقوماتها، لتنتج سلطة ذات نمط يعتمد على العلاقات الضيقة، العلاقات الاجتماعية التقليدية بعد تفكيك منظومتها الأخلاقية، لتكن مؤهلة بعوامل التسلط والاستبداد، ولن تكن إلا بأدوات فاسدة، وتؤمن بشعارات فارغة، وقائد وعسكر.
إنها السلطة دولة الجماعة، لا دولة الاجماع، وهي الدولة العميقة، لها مؤسساتها الموازية، وقرارتها الخاصة، لتتحول المؤسسات من عامة لخاصة، وهذا ما يفضي لنتائج خطرة، هي انحياز الأفراد عن الحياة العامة ليعيشوا حياتهم الخاصة، وتنقطع صلتهم بحياة الناس، وبالتالي يبقى الناس بلا سلطة تحميهم، مهما صرخوا واستغاثوا واستنجدوا، فلا رابط يربطهم بتلك السلطة، فينزلق المجتمع في حرب خدمات وتجويع وانهيار للعملة، وتفتح أبواب الفهلوة والشطارة والانتهازية والكذب والتدليس، وهذا ما نحن فيه اليوم .
* يمن مونيتور