أعلنت ألمانيا رسميًا عن أول اعتقال لمواطن يمني ينتمي إلى جماعة الحوثي الإرهابية، وذلك لمحاكمته بتهمة الانتماء إلى جماعة إرهابية والمشاركة في أعمال قتالية إلى جانبها.

أن يكون هذا الحدث في ألمانيا، فهو ليس مجرد إجراء قانوني اعتيادي، بل يحمل دلالات سياسية عميقة على مستوى التوجه الأوروبي في التعامل مع جماعة الحوثي ومناصريها، ويمثل بداية تحول استراتيجي في النظرة الغربية لهذه الجماعة المصنفة إرهابيًا.
لكن لماذا تمثل ألمانيا نقطة التحول في الموقف الأوروبي تجاه الحوثيين؟
لأنها، تاريخيًا، كانت أول دولة أوروبية – بل أول دولة في العالم بعد دول محور طهران – التي سمحت بفتح مكتب سياسي لجماعة الحوثي منذ تمرّدها الأول عام 2004.
بل كانت السفارة الألمانية في صنعاء، حين واجهت ضغوطًا من السلطات اليمنية بشأن تلك الخطوة، تُبرّر ذلك بأن المكتب أُنشئ بناءً على طلب أمريكي، وأنه يشكّل حلقة وصل بين جماعة الحوثي والإدارة الأمريكية.
اليوم، حين تأتي ألمانيا لتُعلن عن أول ملاحقة قانونية ضد منتمٍ لجماعة الحوثي الإرهابية، فذلك يعني أن الموقف الدولي – الأوروبي والأمريكي – يسير باتجاه تبني استراتيجية موحدة تجاه الجماعة، تتجاوز مستوى التصريحات السياسية إلى مستوى الملاحقة القانونية.
ومع هذا التحول، يُفتح الباب على مصراعيه أمام تحرك قانوني واسع ومنظم، لملاحقة جميع عناصر الجماعة ومناصريها وداعميها أينما وُجدوا في أوروبا والولايات المتحدة.
لكن هذا التحرك لن يُكتب له النجاح إلا بوجود استراتيجية حكومية جادة ومسؤولة، إذا كانت الحكومة بالفعل صادقة في التزاماتها تجاه ملاحقة هذه الجماعة.
اليوم، تملك الحكومة اليمنية الأدوات القانونية الكاملة، فإلى جانب أحكام قضائية صادرة عن القضاء العسكري اليمني بحق قيادات حوثية، هناك أيضًا قرارات دولية وإقليمية تصنّف الجماعة كتنظيم إرهابي محظور، ما يوفر غطاءً قانونيًا للتحرك الدولي.
غير أن الواقع يُظهر تراخيًا حكوميًا واضحًا، وتحديدًا من وزارات الخارجية والداخلية والشؤون القانونية، في ملاحقة المطلوبين قضائيًا أو حتى من يُثبت انتماؤه أو دعمه أو تعاونه مع هذه الجماعة الإرهابية في العواصم الأجنبية.
إن النجاح في هذا المسار لا يخدم الجانب القضائي فحسب، بل ستكون له انعكاسات إيجابية كبيرة على الملفين السياسي والعسكري، كما أنه يشكّل وسيلة فعالة لخنق نوافذ الجماعة الخارجية، وقطع مصادر تمويلها المتعددة.
ومع ذلك، يظل السؤال المقلق لكل يمني:
لماذا لا تتحمل الحكومة مسؤولياتها في مطاردة أعضاء جماعة إرهابية قتلت أكثر من نصف مليون مواطن، وهجّرت الملايين، وأخفت الآلاف قسرًا؟
هل هو فشل؟
أم تواطؤ؟
أم اختراق خطير لمؤسسات الدولة وصل إلى مرحلة الشلل؟
الجواب لم يعد بحاجة إلى تفسيرات، بل إلى قياس دقيق على مدى تفاعل الوزراء الثلاثة المعنيين بهذا الملف.
في المقابل، بات الباب مفتوحًا أمام المنظمات الحقوقية اليمنية والدولية لتوثيق انتهاكات جماعة الحوثي وملاحقتها قانونيًا في المحاكم الدولية، بالتعاون مع مكاتب المحاماة والاستشارات القانونية، كما أصبح هذا المسار مسؤولية الجاليات اليمنية والسفارات والقنصليات، التي يقع عليها دور محوري في ملاحقة أعضاء الجماعة وأنصارها أمام العدالة الدولية.
نحن اليوم أمام فرصة تاريخية نادرة، إن لم نغتنمها فسنكون شركاء في الكارثة.
إن التقاعس في هذا الملف لا يُعد تهاونًا فحسب، بل خيانة وطنية صريحة لدماء أكثر من 500 ألف يمني قتلوا على يد هذه الجماعة، ولمعاناة الملايين من المهجرين والمخفيين والمعتقلين قسرًا.
فمن لا يتحرك الآن، فليصمت غدًا حين يكتسح المشروع الإيراني ما تبقى من الوطن ويزعزع استقرار دول الاقليم وفي المقدمة المملكة العربية السعودية هدف الثورة الايرانية ومليشياتها الارهابية المقدس.
فهل هناك عقلاء راشدين يدركون مخاطر التهديد الوجودية للجميع.