من أخطر المهددات التي تواجه المعركة الوطنية اليمنية اليوم، هي تلك اللغة السياسية المائعة والمخادعة التي تتجه إلى توصيف حقبة الاحتلال الإيراني وجرائم ميليشياته الحوثية وكأنها حقبة سياسية قابلة للطي والتجاوز، بل ويذهب البعض إلى الاستشهاد بمراحل سابقة تم فيها تجاوز "شركاء الحوثي" وقبولهم ضمن كيانات الشرعية، على نحو يُراد منه تسويق خديعة سياسية، تمهيدًا لطعنة غدر يتم الإعداد لها في مسقط.
إن الحديث عن الشراكة مع مليشيات الحوثيين في مختلف المحطات، سواء خلال مرحلة التمرد أو بعد الانقلاب المسلح، يجب أن يُخضع لمعيار الحقيقة لا الخداع السياسي.

ولا بد من الاعتراف بأن أي شراكة فاعلة مع ميليشيات الحوثي الإيرانية في جرائمها الكبرى ضد الشعب، لا يمكن تجاوزها لا قانونيًا ولا سياسيًا ولا أخلاقيًا، إلا ضمن شروط دقيقة واستثنائية.
ومن الأمثلة التي يُروّج لها هذا الخطاب المخادع، هي شراكة المؤتمر الشعبي العام مع الميليشيات الحوثية بعد انقلاب 2014، سياسيًا وعسكريًا، وهي شراكة حقيقية وموثقة، لا يمكن إنكارها.
لكن الحسابات السياسية شيء، وتحويل ذلك إلى تبرئة أو تبييض لتلك الصفحة السوداء شيء آخر.
في حالة المؤتمر الشعبي العام والزعيم علي عبدالله صالح – رحمه الله – حدث تحول فارق تجاوز السياسة إلى الاعتراف بالذنب وتحمل المسؤولية، بل محاولة تصحيحها بالفعل والموقف.
فقد أعلن الزعيم صالح اعتذاره للشعب، وتحمل تبعات تلك الخطيئة، واختار أن يواجه المشروع الإيراني بالسلاح والكلمة، وقدم روحه ثمنًا لذلك التحول الجذري.
وبالتالي، فإن التعاطي مع المؤتمر بعد هذا التحول والدماء التي سالت من قياداته، هو تعاطٍ مع مسار وطني اختار المواجهة لا التواطؤ، ولا يمكن بحال من الأحوال اعتباره نموذجًا يقاس عليه لتبييض صفحات القتلة والمجرمين الذين لا يزالون شركاء فاعلين في المشروع الإيراني التخريبي ولا يعني ذلك منح المؤتمر حق في استخدام خطابات او فعاليات من شأنها ان تعيد فتح صفحات من المواجع ،
ومع ذلك تبقى تلك الحقبة صفحة سوداء منحوتة بالدم في صدر التاريخ ،متروكة لمحكمة الأجيال القادمة وعدالة السماء حين يلتقي الخصوم
ما دفعني إلى الحديث اليوم في هذا التوقيت أمران:
أولًا:
الانزعاج من بعض كُتّاب المؤتمر الشعبي العام، الذين يحاولون تلميع شراكة الحزب مع الحوثيين بوصفها محطة سياسية شجاعة، هدفها "جرّ الميليشيا إلى مربع السياسة"، وهي رواية تُسيء لتاريخ الحزب ولدماء الزعيم صالح، وتُفرغ استشهاده من مضمونه الأخلاقي والوطني.
ثانيًا:
التسويق غير الأخلاقي لما يُسمى خارطة الطريق التي تعدها الأمم المتحدة، بدعم سعودي، من خلال مفاوضات مسقط الجارية، والتي لا تحمل للشعب اليمني سوى جريمة سياسية جديدة تُغلف بشعارات السلام.
خارطة الطريق هذه، لا تمثل سلامًا حقيقيًا، ولا تُمهد لاستعادة الدولة، بل تُكرّس واقع الانقلاب، وتُكافئ القتلة على حساب العدالة والتضحيات.
ولا يملك أي من قيادات الشرعية، ولا أي مؤسسة من مؤسساتها، حق تبييض سجل جرائم الحرب التي ارتكبتها الميليشيات الحوثية الإيرانية على مدى أكثر من عقدين، راح ضحيتها ما يزيد عن نصف مليون يمني، وجرح ضعفهم، مع تهجير وتشريد أكثر من سبعة ملايين يمني داخل وخارج البلاد.
خارطة الطريق التي يتم إعدادها في مسقط، بدعم إقليمي ودولي، ليست مشروع سلام، بل مشروع استسلام مقنّع، يُشرعن الجريمة ويكافئ القتلة.
ونكررها وبالصوت العالي لا تملك أي جهة أو مؤسسة أو قيادة في الشرعية اليمنية تفويضًا للصفح عن هذه الجرائم أو طيّ صفحاتها دون عدالة وقبل كل ذلك تحرير اليمن من الاحتلال الايراني ومليشياته الحوثية
إن اللغة السياسية الراقية لا تعني التواطؤ، ولا يُقصد بها تجميل الجريمة.
وإذا كانت السياسة فن الممكن، فإن الخيانة ليست أحد أشكالها.
لا سلام دون عدالة، ولا تسوية دون محاسبة.
وكل مشروع سياسي يتجاوز تحرير اليمن وجرائم المشروع الإيراني وميليشياته، أو يحاول تبييض أدواته وشركائه، هو مشروع خيانة وطنية بامتياز.
التاريخ لا يسامح من باع الدم مقابل الوهم،
والشعوب لا تغفر إلا لمن قاتل من أجل كرامتها حتى النهاية.
لا سلام بلا عدالة، ولا وحدة وطنية تقوم على تزييف الذاكرة،
ومن ينسى الدماء... شريك في الجريمة.