;
عبده سالم
عبده سالم

حين يعجز الفعل، وتحضر الفتوى، وتتجلى سنن التدافع، لا ينبغي تحميل الشعور ما لا يحتمل 258

2025-06-18 02:00:05

مشاعر الشعوب ليست محل فتوى أو موازنات سياسية:

طالما أننا لسنا أصحاب فعل، ولا نملك أمرًا ولا نهيًا، ولا بأيدينا رفع شأن إسرائيل أو خفض نفوذ إيران أو العكس، فلماذا نُلزم أنفسنا بفتاوى ومواقف وموازنات فقهية ومحددات سياسية لا قدرة لنا على التأثير في نتائجها؟

shape3

هل الهدف من ذلك مجرد إرضاء أمنياتنا، أو تنفيس مشاعر الألم والغضب داخلنا عبر فتاوى وتقعيدات نظرية لا تغيّر شيئًا في الواقع؟

الفتوى، في أصلها، تبين حكم شرعي وأداة توجيه، لكنها في كثير من الأحيان تتحول إلى عبء شعوري على المستضعفين في الشعوب المضطربة، تُخاطبهم وكأنهم صُنّاع القرار، بينما واقعهم يقول عكس ذلك.

ليس المقصود هنا مصادرة دور الفتوى، بل إعادة ضبط إيقاعها ومخرجاتها، فحين يُطلب من الشعوب المقهورة المنقسمة على نفسها أن تحسم صراعًا جيوسياسيًّا بفتوى، أو أن تصطف دينيًا في معركة لا تملك فيها سوى البكاء أو الدعاء، فإننا نكون قد انتقلنا من توجيه الوعي إلى تحميله ما لا يطيق.

وفي كل الأحوال، ما دامت المسألة في حدود الأمنيات والمشاعر، فمن حق الشعب الفلسطيني أن يتمنى انتصار إيران على إسرائيل، ومن حق الشعب السوري وغيره من الشعوب التي أكتوت بنار ايران التمني والتطلع الى هزيمة ايران ولو على يد إسرائيل، وهذا التناقض لا يُحل بالفتوى بل يُفهم كامتداد طبيعي لتجربة كل شعب مع الظلم، وهذه هي طبيعة التدافع واحواله : إذ أن لكل ظرف سياقه، ولكل شعب تجربته، ولكل مرحلة أدواتها الخاصة بها في معركة التدافع، وهنا يجب احترام تباين مشاعر الشعوب المقهورة على مستوى طرفي الصراع، ما دامت لم تتحوّل إلى تحالف فعلي، أو ولاء عقدي فميزان الولاء والأنتماء يظل حاكمًا لمواقف المؤمن، ولو تباينت مشاعره بحسب ما يلقاه من ظلم أو قهر، وبالتالي لا يصح فرض مرجعية فقهية واحدة على مشاعر المظلومين والمستضعفين ، ولا حشرهم في قالب شرعي واحد، طالما لم يتحوّل شعورهم إلى تبرير للطغيان أو ارتهان للظالم.

حين تحاصر سنن التدافع في قوالب فقهيه جاهزة

 إن سنن الله في الكون ماضية بتقديره وتدبيره، لا تنتظر تأطيرًا بشريًا، ولا تعتمد على اجتهادات فقهية أو حتى حسابات سياسية، فسنن التدافع - في حقيقتها - تجلٍّ لإرادة إلهية خفية تسعى لإنقاذ المستضعفين، وتتحرك بقوانين كونية وليس استجابة لخطاب ديني ولا لرؤية سياسية، وهي بذلك لا تُلغي الحكم الشرعي، ولا الأسباب البشرية الواجب القيام بها، بل تعمل بالتوازي معهما، وتبقى الأحكام الفقهية مرشدًا لكيفية التفاعل معها، لا في اجراء الترسيمات عليها.

المؤسف أن بعض الفتاوى او الخطابات الدينية بشكل عام تحاول حصر حركة هذه السنن في “مواقف شرعية جاهزة”، بينما الحقيقة أن هذه السنن تجري وفق اقدار ناجزة، ولا تعبأ كثيرًا بتصنيفات الإيمان والكفر، بل تتحرك بمنطق موازين القوى، ومدى تأثير أطراف الصراع فيها، فسنن التدافع محكومة بشريعة الكون، لا بشريعة الفقه لكنها - مع ذلك - لا تنفصل عن الشريعة الربانية التي تُرشد الإنسان إلى كيفية التعامل معها برشد وفهم، وعليه لا مجال للفتوى حين تحكم السنة الكونية الموقف، وهذا لا يعني تعطيل دور الفقيه، بل ترشيده وتوسيعه؛ فكما يُفتى الطبيب بعد مشاورة الأطباء من اصحاب التخصص، فلا ينبغي للفقيه أن يُصدر رأيًا في القضايا الجيوسياسية الكبرى دون إحاطة شاملة بالمعطيات الاستراتيجية، ومشاورة خبراء التوازنات وموازين القوى.

أما إخضاع سنن التدافع لاختيارات فقهية أو موازنات سياسية، وكأننا في ظروف طبيعية مستقرة نُصوّت فيها امام صناديق الإقتراع بحرية لصالح طرف ضد آخر، فذلك ضرب من التبسيط والمغالطة والأعتساف.

المفاضلة بين الخطرين: سؤال استراتيجي لا فقهي

أما المفاضلة بين خطر إسرائيل وخطر إيران، فهي ليست مسألة فقهية خالصة، بل شأن إستراتيجي يتطلب وعيًا دقيقًا بكل تفاصيل الميزان الإستراتيجي، وذلك لأن الفقيه قد يقول باختصار "المؤمن خير من الكافر وإن كان مبتدعًا"، لكن منطق الاستراتيجيات لا يُقيّم الأفراد على أساس عقائدهم، بل على أساس أفعالهم وأثرهم في موازين القوى، إذ ان منطق الاستراتيجيات لا يعترف بهذه الثنائيات الفقهية، بين " مسلم وكافر" بل يُقيّم الفاعلين بناءً على وزنهم في ميزان الهيمنة والضغط، فليس السؤال: من الأتقى؟ بل: من الأقدر على التدمير؟ من الأكثر تمددًا؟ من الأقرب الينا خطرًا، ومن الأكثر تأثيرًا على وحدتنا وعلى امننا ونسيجنا الاجتماعي؟

المعيار في المجال الاستراتيجي ليس الإيمان أو الكفر، بل حجم الطغيان، ودرجات موازين القوى وفق ثلاث مؤشرات:

(تفوق - توازن - اختلال) ... وبحسب التوصيف الاستراتيجي لهذه المؤشرات فإن التفوق طغيان، والتوازن عدل، والاختلال ظلم وقهر، وهذه المؤشرات بمخرجاتها الأستراتيجية التفصيلية عادة ما يستانس بها في فهم الواقع الاستراتيجي، وبالتالي فإن الخطورة تكمن في إصدار فتاوى ذات طابع استراتيجي دون فهم هذه المؤشرات الاستراتيجية الدقيقة، أو دون الاستفادة من علم الاستراتيجيات كعلم لا يتعارض مع الشريعة، بل يُكملها ويُعين الفقيه على اتخاذ موقف موزون.

الخاتمة

ختامًا، تظل الفتاوى والموازنات مفيدة في بعدها الوعظي، كونها تضبط مشاعر المستضعفين، في كل طرف من طرفي الصراع، وتُبقي بوصلة أرواحهم متجهة نحو القوة العليا التي تدير سنن التدافع، بشرط أن لا تتحوّل إلى أداة تبرير للطغيان باسم الدين، فالفتوى إن لم تكن بصيرة، فربما تكون أداة تعمية، وإن لم تُرشد المؤمن إلى الحق، فقد تزيّن له الباطل بلبوس الشريعة

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد