لم يعد لمجلس النواب أي وجود يُذكر في ذهنية المواطن اليمني، بعد أن تحوّل من مؤسسة دستورية تمثل الإرادة الشعبية إلى كيان غائب، بل مغيّب عمدًا ومقصودًا، ضمن عملية تعطيل ممنهجة. تلك العملية لم تكتفِ بإقصائه من المشهد السياسي، بل تجاوزت ذلك إلى منحه – بشكل غير مباشر – كامل صلاحياته إلى كيانات غير شرعية، تتصدر الواجهة وكأنها الممثل الوحيد للشعب ومالكة الحق في التشريع والرقابة.
قبل قرابة عامين، أطلقتُ تحذيرًا صريحًا من مخطط يستهدف حل مجلس النواب واستبداله بهيئة التشاور، واليوم نعيش واقع هذا المخطط وقد اكتملت ملامحه، بعد أن وصلت قيادة المجلس وأعضاؤه إلى مرحلة التسليم بالتنازل عن أهم مؤسسة شرعية ما تزال تملك شرعية انتخاب شعبي مباشر.
إن أخطر ما في هذا التماهي، أو بالأدق هذا "البيع الممنهج" للبرلمان، ليس فقط في تغييب المجلس عن ساحة القرار، بل في إزالته من وعي المجتمع، تمهيدًا لتقبل فكرة حله واستبداله بهيئة مشوهة شكلاً ومضمونًا. هيئة لا تجمعها ملامح مشتركة، ولا تحمل روح المسؤولية، ولا تملك الحد الأدنى من التناسق السياسي أو الوطني.
اليمن، شعبًا ومؤسسات، تتعرض لمذبحة متكاملة الأركان: سياسية، اقتصادية، عسكرية، وتشريعية. وليس من المبالغة القول إن رئاسة مجلس النواب الحالية وأعضاؤه، يتحملون مسؤولية مباشرة في تعطيل المؤسسة، وتسليم صلاحياتها الدستورية طوعًا لكيانات هشة، تحمل في جيناتها بذور التفكيك والانفجار، وشرعنة المؤامرات التي تستهدف وجود الدولة والجمهورية.
لقد صار واضحًا أن مجلس النواب يُساق نحو لحظة حاسمة: حله واستبداله بهيئة مختارة، لا منتخبة، مفرغة من الدور، ومنتمية للمحاصصة، لا للوطن. والكارثة الكبرى ليست في هذا السيناريو، بل في صمت رئاسة المجلس، وتخليها عن واجبها التاريخي والدستوري في حماية المؤسسة التشريعية، وهي آخر ما تبقى من رموز الجمهورية التي كان ينبغي الدفاع عنها لا التفريط فيها.
إن ما تعيشه اليمن اليوم من تدهور اقتصادي خانق، وانتشار ممنهج للفساد، وضياع للسيادة الوطنية، ليس إلا نتيجة مباشرة لغياب المؤسسة التشريعية الرقابية الأولى في البلاد: مجلس النواب.

لقد تخلّى المجلس، برئاسته وأعضائه، عن دوره الدستوري في الرقابة والمساءلة، وتنازل طوعًا ـ أو صمتًا ـ عن صلاحيّاته لهيئات مؤقتة لا تمثّل الشعب، ولا تملك الشرعية الشعبية أو القانونية لممارسة دور المشرّع أو الحامي للدولة.
فالوضع الكارثي الذي نغرق فيه اليوم لم يأتِ فجأة، بل هو حصيلة تراكمات بدأت منذ لحظة غاب فيها مجلس النواب عن المشهد، وسُلمت البلاد للعبث والفوضى السياسية، وشرعنة الفساد، وتفتيت ما تبقى من مؤسسات الدولة.
إنّ الشعب لم يعد يحتمل، ولا التاريخ يرحم،
وإنّ الاستمرار بهذا الصمت والتواطؤ،
ليس فقط تخليًا عن المسؤولية، بل جريمة في حق الوطن.
فمن لا يحمي اليمن من الداخل، لا يلومن الخارج إن مزّقها.