في البدء كانت الكلمة، والشـــأن العــام يحتاج إلى الكلمة، والتربية، والسلم والحرب، والثورة والبناء.. وغير ذلك يحتاج إلى الكلمة. وقد ضرب الله لنا مثل الكلمة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، وهي الكلمة التي يمضي أثرها في الحياة تعطي أكلها كل حين بأذن ربها.
كان سلاح الراحل الكريم فؤاد الحميري؛ الكلمة. والحق أنه امتلك ناصية الكلمة، ووظفها التوظيف الجميل شعرا، ونثرا.
سلك طريق حياة الأدب باتصاله بأهله، متعلما منهم، وأخذا عنهم، ولازم أهل العلم متفقها على حلقاتهم، ومتتلمذا عليهم، فتعززت ملكته الشعرية من هذين النبعين الثريين ما مكنه من أن يرتقي منابر الكلمة بنصيب وافر من فقه متأدب، فكان ذلك الخطيب المفوه الذي تعطي كلمته أثرها، وتأثيرها كل حين بإذن ربها، وتبوّأ منصة الشعر بحظ واسع من الأدب المتفقه، فجاء شعره بتلك الرصانة، والجزالة، التي راحت قريحته تعبر عن هموم الأمة، بصدق الفقيه التقي، وأحاسيس الشاعر المرهف.
فهل جرّته السياسة للشعر، أم هو من جرّ الشعر للسياسة؟ بمثل هذا يقول بعضهم.
لكن من يعيش هموم أمته، تجره هذه الهموم إليها، وما من شاعر إلا وتجره هذه الهموم، ويتجاوب معها؛ غير أن هناك من تأخذه قضاياها إلى مساحة تكاد تستولي عليه، وهناك من يعطيها مساحة، ولضروب أخرى أنصبة متفاوتة.

فواد الحميري كأنما ورث عن الشهيد محمد محمود الزبيري طريقته، التي محضها لهموم، وطنه، وأمته، حيث وجه قذائف قصائده للأسرة المتوكلية الحاكمة، حتى زلزل أركانها، وعبر عن ذلك ببيت لخصت كل ذلك، حيث يقول:
قوّضـت بالقلـــم الجبار مملكة
كانت بأطنابها مشدودة الطُّنب
وحقا، جن جنون بيت حميد الدين من شعر الزبيري الذي أخذ ينتشر في أرجاء اليمن، مفندا لحكمها، معريا، لزيفها، كاشفا لمساوئها، فكان شعره الزاد، والوقود للثوار والثورة. بله إن أثر ذلك الشعر لايزال يطارد بيت بدر الدين التي أتت نسخة لبيت حميد الدين، وزادت أنها ارتهنت لإيران.
ولذلك لا عجب أن ترى الحوثية تسعى جاهدة لطمس تاريخ الزبيري ونضاله، وأنى لها ذلك، فها هي تتبّع اشعاره، وخطبه، وما يكـتب عنه لطمسـها من المنــاهج التربوية، والتعليمية، والثورية، بكل صور الخسة والخساسة.
وكما برمت بيت حميد الدين، وبيت بدر الدين بأبي الأحرار الزبيري، فقد ضاقت مليشيا بدر الدين الحوثي، ومن على شاكلتها بالشاعر الثائر فواد الحميري، الذي دبّج قصائده ضد الظلم، والظالمين، والطغيان، والاستبداد، متبنيا قضايا الشعب حتى ليكاد شعره ينحصر في قضايا أمته فحسب.
ولا غرابة في ذلك، فإن الشاعر ترجمان أمين لواقعه، ولسان صادق لشعبه وأمته.
كما حاولت، وتحاول الإمامة إسدال ستار قاتم على التاريخ النضالي لأبي الأحرار الزبيري، فكذلك تحاول الإمامة الحوثية، ومن على شاكلتها ان تنبش بالتناول السيئ مقام، ومكانة الشاعر الثائر فؤاد الحميري، وأنى لنافخ القمر الزاهي أن يطفئه، أو لوعل أن يهد بقرنين كسيرين الجبل.