رغم مضي سنوات على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، لا تزال مكونات الشرعية تلتزم بالخطوط الحمراء التي رسمت لها في بداية تدخل التحالف العربي، وكأنها عالقة في إطار لا تستطيع تجاوزه، ولا ترغب في كسره، وبينما يؤكد المجلس في خطاباته الرسمية ضرورة التوصل إلى سلام شامل ينهي معاناة اليمنيين، فإن الأداء العملي يوحي بأن لا نية حقيقية لفتح باب الحرب مع جماعة الحوثي، ولا رغبة صادقة في الانخراط بجدية في مسار سلام متكافئ..
هذه الحالة من المراوحة السياسية والعسكرية، التي تشبه الشلل الجزئي، أفرزت واقعا معقدا، فمكونات الشرعية لا تحارب، ولا تصالح، بل تدور في حلقة مفرغة من الاجتماعات، والتصريحات، والمبادرات، دون أفق واضح، ويبدو أن جزءا من هذا الجمود نابع من الارتهان للوصاية الإقليمية، حيث تُدار القرارات الكبرى من خارج الحدود، وفق حسابات لا تعير اهتماما كافيا لمصلحة الداخل اليمني..
من الناحية الشكلية، تعلن الشرعية التزامها بالسلام، وتبدي تجاوبا مع الوساطات الأممية والإقليمية، لكن على الأرض، لا يبذل جهد فعلي في بناء الثقة، أو تقديم تنازلات تؤسس لتسوية سياسية مستدامة، وفي الوقت ذاته، لا تفعل أدوات الحرب، ولا تحرك الجبهات، مما يجعل الحوثيين في وضع مريح، يسمح لهم بتعزيز سيطرتهم وتوسيع نفوذهم، دون تكلفة تذكر..
هذا الواقع يطرح تساؤلات مشروعة حول مدى قدرة هذه المكونات على تمثيل إرادة الشعب اليمني، أو التعبير عن طموحاته في إنهاء الحرب واستعادة الدولة، بل إن البعض يرى أن بقاء هذه الشرعية في موقعها الحالي بات يشكل عائقا أمام أي حل جذري..
في ضوء هذا الانسداد، تبرز الحاجة إلى كيان يمني وطني جديد، ينبثق من الإرادة الشعبية، ويعلن نفسه متحررا من الوصاية الخارجية، ويحمل مشروعا وطنيا حقيقيا، لا يهادن جماعة الحوثي ولا يرتهن لمشاريع الخارج، كيان لا يرى في الحرب غاية، ولا في السلام خيانة، بل يتعامل مع الاثنين كأدوات مشروعة لتحقيق هدف واحد: استعادة الدولة اليمنية وتحقيق تطلعات الشعب..
هذا الكيان يجب أن يكون واضح الرؤية، صادق الخطاب، قادرًا على جمع القوى اليمنية المخلصة التي أقصيت أو أضعفت، وأن يتحرك بوسائل سياسية وشعبية وإعلامية تعيد توجيه البوصلة نحو الأولويات الوطنية، وتخرج البلاد من حالة التوازن السلبي..
ما نحتاجه اليوم ليس مجرد تغيير في الأشخاص أو المؤسسات، بل إعادة تعريف الشرعية ذاتها، من شرعية مستوردة أو محنطة في قوالب دولية، إلى شرعية مستمدة من الداخل، قاعدتها دعم شعبي، وأدواتها مشروع وطني جامع، يقف ضد التبعية، وضد الانقلاب، في آنٍ معا..
خلاصة القول، إن استمرار حالة المراوحة بين الحرب والسلام لم يعد يحتمل مزيدا من الوقت، فإما أن تتجدد الشرعية من الداخل، عبر كيان يمني وطني مستقل، يتخذ القرار وفق مصلحة اليمن أولًا، وإما أن يبقى الحال كما هو عليه، بانتظار تسويات إقليمية لا مكان فيها للضعفاء أو التابعين..