سيف محمد الحاضري
هذا هو الفارق بين من يعيش الموت كل يوم، ومن يكتب عنه من وراء زجاج الفلل وشاشات التلفزة!!
يقتلون أقاربك بدمٍ بارد، ويعتقلون آخرين بلا ذنب، وينهبون أموالك، ويفجرون بيتك على مرأى من الجميع.
يهجّرون أقاربك، ويحكمون عليك بالإعدام. تسمع عن قريبك وقد مات تحت التعذيب، وتشاهدهم وهم يفجرون المساجد ومدارس التحفيظ، وينتهكون حرمة بيتك، ويتسببون في موت أحد أقاربك لأن أسرتك عجزت عن توفير تكاليف علاجه بعد أن نُهبت كل ممتلكاتك.
لقد دمّروا كل ممكنات الحياة، وأصبحوا ينظرون إليك كعبد خُلق لخدمتهم. كل شيء لك ولأسرتك مباح لديهم. يمارسون ضدك أبشع مما تمارسه إسرائيل في غزة.
إسرائيل قتلت في فلسطين وجرحت ما يتجاوز مائتي ألف إنسان ما بين قتيل وجريح، وشردت مليونًا ونصف المليون فلسطيني داخل القطاع.
أما الحوثي في اليمن، فقد قتل أكثر من نصف مليون، وجرح أكثر من مليون، وهجّر أكثر من خمسة ملايين مواطن.
في مخيمات فلسطين يموت الناس جوعًا. وفي مخيمات النزوح في اليمن يموت الناس جوعًا أيضًا، ويموت آخرون بسبب انعدام الدواء والخدمات الطبية.
وأنا في مخيم النزوح، أعيش قهر التشريد وظلم الحرمان. أسرتي تعيش الشتات، وبعض أفرادها ينازعون الموت لانعدام القدرة على توفير تكاليف العلاج بعد أن نُهبت كل ممتلكاتنا.
والحوثي يتربص بي: إما أن يرديني قتيلاً، أو يأخذني أسيرًا ليصب عليّ كل أحقاده، ثم يرميني جثة هامدة بعد أن يطلق على قلبي رصاصة الغدر.
كل هذا نعيشه نحن في الداخل، ثم يأتي من يطلب مني أن أدين ما يتعرض له الحوثي من هجمات خارجية!
يأتي من يتقمص المثالية وهو يعيش في أرقى الفلل والشقق الفارهة في عواصم الخارج، متحدثًا عن "قيم" لا يعيشها، وعن "مبادئ" كاذبة مخادعة، ليقف من خلالها في صف قاتلٍ مجرمٍ، ويدين مجرمًا يشبهه تمامًا في كل أفعال الإجرام.
يريدون مني أن أقف مع من قتل أقاربي، ونهب ممتلكاتي، وكان سببًا في تشريدي، ومصدرًا لكل أشكال الظلم والعدوان والبطش!
لا.. لن أفعل. احتفظوا بمثاليتكم المزوّرة، واتركونا نحن لأوجاعنا التي لا تعرفونها. أنتم لا تشبهوننا، نحن نحيا في جحيمٍ لا يطيقه بشر، وأنتم تتحدثون من أبراج زجاجية بعيدة عن رائحة الدم وأنين المخيمات. نحن نحمل ذاكرة الألم، وأنتم تحملون ذاكرة البيانات والتصريحات. نحن نواجه موتًا يوميًا، وأنتم تكتبون بياناتكم من حياة مترفة لم تمسها يد الجلاد.
المجرم عندنا واضح لا لبس فيه: الحوثي. مجرم بأفعاله، ببطشه، باستباحته للدم، واغتياله حق الإنسان في الحياة.
الحوثي عندنا يوازي إسرائيل في جرائمه، لا نقولها ترفًا في الكتابة، بل نقولها واقعًا نعيشه نحن لا أنتم.
إسرائيل دولة احتلال مجرمة، تمارس في فلسطين ما يمارسه الحوثي في اليمن.
من عمق الجراح، ومن قلب القهر، ومن بين خيام النزوح وأكوام الرماد، لا نملك سوى أن نرفع أكفنا إلى السماء:
اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وزلزل الأرض تحت أقدامهم، وأخرجنا نحن في اليمن وإخواننا في غزة وفلسطين من بينهم سالمين. اللهم اجعل دماء الشهداء نارًا تحرق الطغاة، وآهات الجوعى والمشردين سيفًا يكسر عروشهم، واجعل لنا ولأوطاننا فجرًا قريبًا يحمل الحرية والانتصار.
•• وختاما
أنتم لا تشبهوننا..
نحن نحيا على صدى الرصاص،
ونتوسد الخوف في خيام النزوح،
نغفو على وجعٍ اسمه الجوع،
ونصحو على موتٍ يتربص بنا في كل زاوية.
أنتم لا تشبهوننا..
نحن نحمل وجوه الشهداء في قلوبنا،
ونحفظ أسماء الجرحى كما نحفظ أسماء أبنائنا،
نعدّ خطواتنا في الطريق بين الدفن والبكاء.
أنتم لا تشبهوننا..
نحن نحيا بذاكرة الدم،
وأنتم تحيَون بذاكرة البيانات والتصريحات.
نحن نعيش القهر وجها لوجه،
وأنتم تصفون القهر من وراء زجاج الفلل والقصور.
أنتم لا تشبهوننا..
فنحن نواجه الموت كل يوم،
بينما أنتم تعيشون حياة لا تعرف طعم الرماد ولا أنين المخيمات.