ارتكبوا جريمة اغتيال أفتِهان المشهري، وباسم تلك الجريمة يعملون اليوم على اغتيال تعز بكل ما تمثله من ثورة وجيش وأمن ومقاومة. الطابور الخامس الذي نسّق بالأمس لإسقاط صنعاء وقدّم كل أشكال الدعم لمليشيات الحوثي، هو نفسه الذي يمارس الدور ذاته اليوم، وإن تغيّرت مواقع تموضعه وأدواته. الهدف واحد: إسقاط الجيش والأمن والمقاومة، وشلّ قدرتها على حماية الدولة ومؤسساتها.
هذه المغامرة لا تقتصر على تعز وحدها، بل تتزامن مع حملة موازية تستهدف مأرب وجيشها وأمنها ومقاومتها. وفي الوقت ذاته، هناك تحرك آخر يتجه نحو محاصرة المنطقة العسكرية الأولى في سيئون، عبر تسليم مناطق انتشارها لقوات غير تابعة لوزارة الدفاع، وبضغط مباشر من التحالف. المشهد يرسم خريطة واحدة: الجيش الوطني يُخنق في كل مناطق انتشاره، بينما يقف الجميع موقف المتفرج، وكأن الأمر لا يعنيهم.
إن ما يجري مؤامرة مكتملة الأركان، تستهدف وأد الجمهورية وتحويلها إلى مناطق نفوذ تسيطر عليها مليشيات مسلحة. فحيثما وُجدت الشرعية، تُدار مناطقها إما بواسطة كيانات تابعة للإمارات أو السعودية، أو عبر تسليمها مباشرة لمليشيات الاحتلال الإيراني الحوثي.
ويبقى السؤال الكبير: لماذا يريدون وأد الجيش وتدميره وإسقاط وحداته العسكرية؟ لماذا يستهدفون أجهزة الأمن في كل المناطق المحررة؟ الجواب واضح وبسيط: لأنهم لا يريدون للجمهورية اليمنية أن تبقى، ولا لوحدتها أن تستمر، ولا لسيادتها أن تُستعاد، ولا لمؤسساتها أن تنهض. باختصار، إنهم يريدون وطنًا ممزقًا تُديره المليشيات بدلًا من دولة يحميها جيشها ويصونها دستورها.
ليست جريمة اغتيال أفتهان حادثةً جنائيةً معزولة، بل مفتاحًا لقراءة مشهدٍ أوسع يستهدف تفريغ الدولة من أدواتها السيادية عبر ضرب الجيش والأمن وإغراق تعز ـ ومعها مأرب وسيئون ـ في دوامة التشكيك والإرباك. إن جوهر الصراع اليوم هو على احتكار الدولة لحقّ استعمال القوة وإنفاذ القانون؛ فحين تُستبدَل المؤسسات الوطنية بكيانات مسلّحة موازية، تسقط الجمهورية عمليًا حتى إن ظلّ اسمها قائمًا.
الطريق إلى استعادة التوازن يبدأ بتثبيت حقيقة بسيطة: الجيش الوطني والأجهزة الأمنية هما العمود الفقري لوحدة البلاد. أي حملة تُشيطن هذه المؤسسات أو تُساوم على رواتبها وتسليحها وانضباطها، إنما تدفع ـ عن قصد أو عن جهل ـ باتجاه شرعنة الفوضى. المطلوب مقاربةٌ سياسية وأمنية واحدة في تعز ومأرب وسيئون: سلسلة قيادة موحّدة، ميزانيات شفافة وكافية، رقابة برلمانية وقضائية على القرارات العملياتية، ودمجٌ مؤسسي لأي تشكيلات مسلّحة خارج الإطار الرسمي أو تفكيكها وفق جدولٍ زمني واضح ان كانت التوجهات لاستعادة الدولة صادقة لا مجرد شعارات مخادعة
وفي موازاة ذلك، لا بدّ من مسار عدالة مهني غير قابل للابتزاز: تحقيقٌ قضائي شفاف ، يُحكِم ضبط الأدلة، ويُعلِن للرأي العام ما يمكن إعلانه دون الإضرار بالقضية. التسييسُ والتهويل الإعلاميّان يُنقذان القتلة ولا يُنصفان الضحية، ويُقزمان صورة الدولة أمام مواطنيها وحلفائها معًا.
وعلى المستوى الإقليمي، فإن أي دعمٍ لا يمرّ عبر مؤسسات الشرعية ويخضع لقواعدها المالية والعملياتية، يُعاد إنتاجه ضدّ الاستقرار نفسه. الرسالة إلى الشركاء في التحالف يجب أن تكون حازمة: الدعم للدولة لا للميليشيا، للمؤسسة لا للوكيل، للوحدة لا لخرائط التجزئة.
إن اختبارنا اليوم ليس في اللغة التي ندين بها الجريمة، بل في البنية التي نحمي بها الجمهورية. إذا وُحِّدَت العقيدة الأمنية والعسكرية، وصينَ القرار الوطني من مقايضات اللحظة، أمكن تحويل دماء الضحايا إلى قوة دفعٍ لإعادة بناء الدولة. أمّا إذا تُرك الجيش والأمن رهائنَ لميزانياتٍ مبتورة وحملاتِ تشهيرٍ موسمية، فسنتحوّل ـ جميعًا ـ من مواطنين في دولةٍ واحدة إلى سكانِ ساحات نفوذ. والخيار، قبل كل شيء وبعده، خيارُ دولة .. اننا امام تحديات وجودية .. حماية الجمهورية اليمنية يبدا بتحصين الجيش الوطني وقوات الامن من الابتزازات السياسية داخليا وخارجيا لصالح مكونات مسلحة لاعلاقة للجمهورية ومؤسساتها الدستورية بها !!