يُعدّ المذهب الزيدي الركيزةَ الفكرية الأساسية للمشروع السياسي الهاشمي في اليمن، والمرجعيةَ التي تأسّست عليها بنيته السلطوية الحصرية منذ ظهور الإمامة على يد يحيى بن الحسين الرسي وحتى تجلياتها المعاصرة في صورة الميليشيات المسلحة. وقد تحوّل هذا المذهب من منظومة فقهية إلى إطار أيديولوجي ذي طابع سياسي سلطوي، سعى إلى ترسيخ شرعية الحكم السلالي في بنية الوعي الجمعي اليمني، من خلال مزج المقدّس الديني بالحقّ السياسي، وتوظيفه لتبرير الهيمنة تحت دعاوى “الحق الإلهي” و”الاصطفاء النَّسَبي”.
أفضى هذا التوظيف إلى انحرافات عميقة في جوهر الفقه الإسلامي، إذ غدت الزيدية – في صورتها السياسية الإمامية – نسقاً مغلقاً يقوم على العصبية السلالية، ويُعيد إنتاج ذاته عبر أدوات أكثر استبداداً ووسائل أشد فتكاً بالمجتمع. فالولاء للإمام لم يعد مسألة دينية فحسب، بل تحوّل إلى معيار للانتماء والقبول الاجتماعي والسياسي، وجُعل الإمام مقدَّماً على الدين ذاته، بحيث غدا الإيمان مرتبطاً بالولاء للسلالة لا بالمبادئ العقدية والروحية للإسلام.
من الناحية العقائدية، يُدرج الفكر الزيدي الإمامي الإمامة والولاية في صلب العقيدة، ويعدّها أحد أركان الإسلام وأصول الإيمان، حتى إن عدم الاعتقاد بها يُعتبر – في نظر منظّريه – من موجبات الكفر وإنكار المعلوم من الدين بالضرورة. فلا تُقبل العبادات، ولا يُعدّ الإيمان كاملاً إلا بالاعتراف بولاية الأئمة من ذرية الحسن والحسين.
ويُعبّر عن هذا الاتجاه بوضوح ما أورده أحد أبرز فقهاء الزيدية، القاسم بن محمد، في قوله:
“من لم يُوالِ الإمام من ولد الحسن والحسين، ويُسلّم له الأمر، فلا دين له، وإن صام وصلّى وحجّ واعتمر”
(المجموع الفقهي ج ١ ص ١٠٢).
كما يؤكد يحيى بن الحسين الرسي في كتاب الأحكام أن الإسلام لا يتحقّق إلا بالإيمان الكامل بولاية عليّ بن أبي طالب، معتبراً أن هذا الإيمان شرط لصحة الإسلام ذاته.
إن هذا البناء العقدي والسياسي يجعل من الزيدية – في بعدها الإمامي – نظاماً كهنوتياً يناقض مقاصد الدين الكبرى في الحرية والعدالة والمساواة، ويُحوِّل المجتمع إلى وسيلة لخدمة السلالة، لا إلى شريك في صناعة الدولة أو تحقيق مقاصد الشريعة
