في مثل هذه الليلة من عام 1963، وصل إلى ردفان الثائر العظيم راجح بن غالب لبوزة، عائدا من جبال المحابشة بمحافظة حجة أقصى الشمال الغربي من البلاد، حيث كان يسطر مع رفاقه ملاحم المجد والإباء في ملاحقة فلول الإمامة التي فرت مع "البدر".
هذا النضال المتجاوز للمسافات والعابر للأوهام أقلق سلطات الاحتلال، فقررت استدعاء الزعيم راجح بن غالب لبوزة، وبعثت إليه رسالة استدعاء للتحقيق معه بتهمة عصيان السلطات، فكان الجواب من لبوزة على رسالتهم أن أعاد إليهم المظروف وبداخله رصاصة من بندقيته تختصر كل المعنى والمراد، وكانت هذه الرسالة وجوابها هما الشرارة الاولى التي انطلقت في الرابع عشر من أكتوبر.
من ردفان أطلق لبوزة طلقته الأولى في وجه الاستعمار الأجنبي الذي استمر أكثر من قرن، وكان هو أول قادتها الشهداء، ولسنوات متعاقبة تمددت شرارة ردفان وظلت تكبر وتصنع ثورة عارمة وحركة وطنية باسلة في جنوب اليمن المحتل، توجت بإعلان الاستقلال المجيد وارتفاع علم جمهورية اليمن الديمقراطية خفاقا في مدينة عدن الباسلة نهاية نوفمبر 1967م.
هذه الثورة العظيمة كانت أيضا فاتحة عهد عربي كبير، ومفتتحا لاستقلال كامل المنطقة.
14 أكتوبر قصة كفاح خالدة، وترجمة دقيقة لإصرار شعبنا العظيم في الجنوب على نيل حقوقه وبلوغ غاياته.
وفي هذه الذكرى الخالدة، علينا أن نواجه أنفسنا بالحقيقة: لا الولاءات الضيقة ولا المصالح الصغيرة تبني الأوطان أو تستعيدها. الطريق الوحيد هو وحدة الصف، والتسامح، وتجاوز أحقاد الماضي، والعمل معاً لاستعادة كل شبر من أرض الوطن وبناء مستقبل عادل يضمن حقوق الجميع دون تكرار أخطاء الماضي، فنحن اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الغرق في أحقاد الماضي وإغراق شعبنا فيها، أو التطلع إلى مستقبل منصف وعادل لكل أبناء الوطن.
الرحمة والمجد والخلود لشهداء ثورة أكتوبر المجيدة، ولشهدائنا الأبطال في كل مراحل ومحطات الفداء الوطني السابق واللاحق لثورة أكتوبر المجيدة، وصولا إلى هذه اللحظة التي لا زال شعبنا يقدم فيها التضحيات ويثبت قوة عزيمته حتى يصنع النصر ويقهر المستحيل.
كل عام وشعبنا اليمني العظيم ووطننا بخير وفي نصر وسلام.