تعز ليست مجرد مدينة في الجغرافيا اليمنية، بل هي ذاكرة وطن، وروح مقاومة، وقلب دولة، وشاهد حي على أن الإرادة حين تتحرر تصبح أخطر من السلاح.
لذلك، هي تتعرض اليوم لأشرس هجمةٍ منظمةٍ وممنهجة، لا تستهدف ترابها وجغرافيتها، بل تستهدف وعيها الجمعي المقاوم، كبرياءها، شموخها، روحها الصامدة، والأخطر من ذلك استهداف قدرتها على البقاء حيّةً في سردية التاريخ.
الهجمة ليست عشوائية أو مصادفة في طريق السياسة، بل هي منظمة وممولة وممنهجة، يتكسب بها كثير من أقزام المواقف وفسيفساء الأحزاب الصفرية والمركونين على أرصفة الإهمال وقارعة النسيان السياسي، من باعوا الدولة لأدعياء الحق الإلهي وجعلوا من أنفسهم حملة مباخر لعبده الحوثي.
يحاولون شيطنة المدينة، شيطنة جيشها وأمنها ورموزها المقاومة للمدّ الإيراني، ليجعلوا من رفض المشروع السلالي خيانة، ومن المقاومة الشعبية جريمة، ويحاولون بالأموال المدنّسة خلق انطباع بأنها مجرد ساحة فوضى، لا مركز قرار وطني جمهوري مدني.
بالأمس يرقصون لعصابة إيران الحوثية، ويختبرون قدراتهم على التصفيق لرجالات السلالة، ويصفون قادة الانقلاب بـ"الملهمين"، ويفتحون أبواب المدينة لجحافل الغازي الإيراني، واليوم يُراد سحب تعز من قيادة المعادلة الوطنية وتصويرها على أنها كيان ناشر للفوضى منزوع التأثير، كما أنه يُراد تمزيقها سياسياً ومعنوياً ووطنياً كما مزّقوها جغرافياً، وهذا هدف إيراني حوثي.
لا يمكن فهم ما تتعرض له تعز اليوم بمنأى عن مشروعٍ سياسيٍّ واضح الأهداف، مشروعٍ يخشى من أي مدينة يمنية تحتفظ بشموخها وفكرها الجمهوري ووعيها الوطني وتأثيرها السياسي كما تعز، ويعمل على تفكيك كل مركز مقاوم يمكن أن يعيد لليمن توازنه واستقراره.
هناك شياطين وخدمٌ لمشروع السلالة يعملون على محاولة تطبيع فكرة أن تعز مركز الفوضى وغابة للوحوش، وأن سلطتها وأجهزتها منهكة وعاجزة ولا تستطيع فعل شيء، كي يُملوا عليها ما يريدون ويتم إرغامها على القبول بأي مشاريع لا وطنية، أو أي صيغة تُشرعن تقاسم النفوذ بدل استعادة الدولة.
ما لا يفهمه خصوم تعز، حتى من أبنائها المغيبين وعياً، هو أن المعركة ليست ضد حزب أو سلطة، إنما هي ضد تعز، معركة ضد المستقبل اليمني نفسه، ضد أي إمكانية لقيام دولة تحكمها المؤسسات والقانون بدل السلاح والولاءات غير الوطنية.
تعز اليوم لا تحتاج مجاملة، بل تحتاج مواقف، تحتاج اعترافاً بأن استهدافها خيانة لدماء الشهداء، وحصارها جريمة سياسية منظمة، وبأن صمودها ليس قضية قابلة للمساومة والابتزاز، بل معركة سيادة وطنية يجب أن تُدار بوضوح المواقف لا غموض الحسابات والأنانيات الخبيثة.
أخطر ما تتعرض له تعز اليوم ليس فقط الرصاص الموجَّه إلى صدرها من علوج السلالة، بل السردية الكاذبة والمضلِّلة التي يُراد بها صياغة المشهد من بعض أدعياء الشرعية الذين هم في الأساس الوجه الأقبح للسلالة والكهنوت، وسلّموا لها الدولة بكل مقدراتها.