مأساويٍّ لا يمكن النظر إليه بمعزلٍ عن السياق العام الذي يعيشه اليمن اليوم. إنها ليست جريمة فردية بقدر ما هي انعكاسٌ صارخٌ لانهيار المنظومة الأمنية والقيمية في ظل غياب الدولة وتفكك مؤسساتها.
لقد أنتج غياب الدولة واحتكار المليشيات للسلطة واقعاً اجتماعياً واقتصادياً خانقاً: فقرٌ مدقع، بطالةٌ متفشية، انقطاعٌ مستمر للرواتب، وارتفاعٌ جنوني في تكاليف المعيشة. هذه العوامل مجتمعةً تمثل بيئةً خصبة لتنامي الجريمة، وتحويل المجتمع إلى حقلٍ مفتوحٍ للفوضى والانحلال القيمي.
إن بقاء الانقلاب الحوثي يعني بقاء جميع مظاهر التفكك الأخرى: تعدد المليشيات، ضعف القضاء، غياب العدالة، وانعدام الأمل. فحين تغيب الدولة، تنمو العصابات؛ وحين يتلاشى القانون، يحلُّ منطق الغاب؛ وحين يُسحق الإنسان تحت وطأة الجوع والعوز، تصبح الجريمة وسيلةً للبقاء.
إن الفقر والجوع لا يصنعان فقط الجريمة، بل يصنعان أجيالاً مهدَّدة بفقدان الضمير الجمعي، أجيالاً تعيش خارج إطار الدولة والمواطنة، وتتعامل مع العنف بوصفه لغة الحياة الوحيدة الممكنة.
من هنا، فإن استعادة الدولة ومؤسساتها ليست مجرد مطلب سياسي، بل شرطٌ وجودي لبقاء المجتمع ذاته. إن تحرير العاصمة صنعاء، وإعادة بناء المؤسسات، وإحياء دورة الاقتصاد الوطني، وخلق فرص العمل هي الخطوات الأولى نحو كسر هذه الحلقة الجهنمية من الفوضى والجريمة.
إن الطريق إلى التصحيح الحقيقي يبدأ باستعادة الدولة بمفهومها الكامل: دولة القانون والمؤسسات، لا دولة المليشيا والسلاح. فالدولة هي الإطار الوحيد القادر على حماية الإنسان، وإنعاش الاقتصاد، وضمان العدالة والمساءلة. ولا يمكن لأي إجراءات أمنية أو حملات توعية أن توقف تفشي الجريمة ما دامت السلطة الفعلية بيد جماعات خارجة عن القانون، وما دام المواطن يعيش في بيئة يسودها الفقر واليأس وانعدام الأمل.
إن استعادة الدولة الشرعية وتحرير العاصمة صنعاء وعودة مؤسساتها للعمل المنتظم تمثل الركيزة الأولى لإعادة بناء منظومة الأمن والقيم. فحين تعود الدولة، يعود معها القانون؛ وحين يُستعاد القانون، تستعيد المجتمعات توازنها الأخلاقي والإنساني.
وبوضوحٍ لا لبس فيه: لن ينتهي مسلسل الجريمة في اليمن إلا بإنهاء الانقلاب، وعودة مؤسسات الدولة، وخلق بيئةٍ يعيش فيها المواطن بكرامةٍ وأمانٍ تحت مظلة العدالة والمواطنة المتساوية.
