أثمن أيّ مشروع استراتيجي لبناء المطارات والموانئ وشبكات الكهرباء والطرق في أي محافظة كانت، لكن لديّ تساؤل جوهري يحتاج لإجابة واضحة: هل فتح مطارات أو تأسيس موانئ في مناطق تسيطر عليها تشكيلات مسلحة — حتى وإن كانت محسوبة على مكوّنات الشرعية أو وزارة الدفاع — يحمل مدلولات سياسية سالبة؟
الأصل والمنطق الاستراتيجي أن تتوحد الجهود أولاً نحو استعادة مطارات الدولة وموانئها التي تحت احتلال الميليشيات، لا أن تُنفق الموارد في إنشاء مطارات وموانئ بديلة داخل رقع نفوذ مسلحة. قراءة ما يجري لا تُخلو من قراءاتٍ سياسية: إقامة بنى تحتية جديدة في مناطق تسيطر عليها كيانـات مسلحة توحي بأنها خطوة في سباق لترسيخ مناطق نفوذ تُحوّل البلاد إلى دويلات مصغّرة — على حساب استعادة الدولة الكبيرة التي تحتل أجزاء واسعة منها مليشيات الحوثي.
ما يريده الشعب واضح وصريح: تحرير اليمن من مليشيات إيران، واستعادة المطارات والموانئ وكل مؤسسات الدولة. أما إقامة «دويلات» صغيرة وتوفير بنى تحتية لها بينما يُحاصر مشروع التحرير فذلك يثبت ما كنا نخشاه: التعاطي مع ملف الدولة كأنه قابل للتجزئة، وهو ما يخدم مشاريع الاحتلال والهيمنة الإقليمية التي تراهن على تقسيم اليمن لمصلحة حسابات نفوذ إقليمية.
نذكر كمثال ما حدث في الحديدة: كانت القوات المشتركة تسيطر على مطار الحديدة وبوابات الميناء، ثم جرت إعادة رسم للخريطة وانسحابات تُبرَّر بـ«إعادة انتشار» امتدت لغالبية الساحل. من الصعب قبول أن ينحصر الطموح من تحرير مطار إستراتيجي كالحديدة إلى افتتاح مطار في المخا—مع احترامي لأي قيمة تنموية لهذا المشروع—إذا قُرئ في إطاره السياسي.
الخلاصة: إن كنتم صادقين مع قضية الوطن وماضين في هزيمة مليشيات الاحتلال الإيراني، فلتكن الأولوية المطلقة لقيادة وحشد الجهود نحو تحرير الأرض واستعادة مؤسسات الدولة. كل المشاريع الصغيرة ستسقط أمام المشروع الوطني الأكبر: استعادة الدولة، استعادة السيادة، وهزيمة المليشيات.
(هذا ما أطالب به كدعوة واضحة للقادة: لا تضيّعوا الأولويات الوطنية خلف مشاريع قد تُشرعن أمر واقعٍ مسلّحاً يفرّق الوطن).
ما يجري اليوم لا يمكن النظر إليه كجهودٍ تنموية معزولة عن سياقها السياسي؛ فالمطارات والموانئ ليست مجرد مشاريع هندسية، بل مؤشرات على اتجاه البوصلة الوطنية.
حين تُفتح في مناطقٍ يهيمن عليها سلاح الفصائل بدل أن تُستعاد في العاصمة والمناطق المحتلة من المليشيات، فإننا أمام مشروع يعيد هندسة الجغرافيا والسيادة لا إعادة إعمارها.
إن من يراهن على بناء "مناطق رخاء مصغّرة" تحت حراب التشكيلات المسلحة، يساهم في تفكيك الدولة لا في بنائها.
ولا سبيل لوقف هذا الانحدار إلا بإعادة ترتيب الأولويات، والعودة إلى أصل المعركة: تحرير الأرض واستعادة العاصمة وبناء الدولة الواحدة الجامعة.
فالمطارات التي تُقام خارج سلطة الدولة ليست بوابات نحو المستقبل، بل نحو خريطة جديدة للوطن تُكتب بيد الآخرين.
واليمنيون، إن أرادوا البقاء أمةً واحدةً ذات سيادة، فعليهم أن يُغلقوا مسارات التشرذم، وأن يحرروا فقط مطار الدولة الكبيرة : مطارات صنعاء والحديدة وتعز وبعدها لتفتح كل المطارات في ظل الدولة الكبيرة لا الدويلات الصغيرة .