عمال بلا حقوق في وطن بلا دولة
محمد اللطيفي
محمد اللطيفي
"عندما خلق الله آدم وحواء، من كان يومها السيد؟”. هكذا صرخ جون بول – أحد قادة ثورة الفلاحين بانجلترا إبان العصور الوسطى – محاججاً للدفاع عن الفكرة الجوهرية للنضال الإنساني (العدل).
كان الفلاحون البريطانيون يخوضون في ذاك الوقت صراعاً ضد إقطاعيين صادروا أراضٍ عامة، تماوجت صرخة بول مع صرخة ابن الخطاب “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً”، وبينما فشل المسلمون وما زالوا في تقنين العدل (القيمة الرئيسية في الإسلام)، قامت أوروبا بتحويله إلى منظومة حقوق راسخة، كانت آخرها الاحتفاء بعيد العمال.
ومع إدراج فقرتين تخصان حقوق العمال، في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادتين 23 و24)، وصلت الفكرة الحديثة لحقوق العمال إلى أرقى مطالبها، لكن هذا الرقي لم يتأت إلا بعد نضال طويل لعمال أوروبا استمر منذ القرن الثامن عشر حتى القرن العشرين، بدأ بنقابات عمالية، وساندته فلسفات ونظريات، أثمر قوانين تجرم استغلال حاجات العمال، وتحدد سقف للعمل بـ 48 ساعة عمل أسبوعياً، وحالياً يحتفل العمال في أوروبا بذكرى عيد العمال للمطالبة بتطوير حقوقهم، بينما نحتفل نحن للمطالبة بالحقوق، التي ما زالت حبراً على ورق الدولة، ووعوداً على عرَق العامل.
ويجدر التنويه إلى أن كل الثورات التي قامت في العالم المتقدم، بدأت بانتفاضات عمالية، بما فيها الثورة الصناعية التي بدأت بحناجر العمال وقامت على أكتافهم، كما أن وصول العالم اليوم الى فكرة الدولة الحديثة وما تحمله من مبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وما يصاحبها من تقدم تكنولوجي ومعرفي، بدأت باضطرابات مدنية قام بها العمال، وكانت أول انتفاضة في بداية الثلاثينات من القرن التاسع عشر في فرنسا، وبعدها انتشر غضب العمال في الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا ووو... ثم روسيا حيث نشأت الفلسفة العمالية، وعربيا كان العمال هم القاعدة الأساسية لكل الثورات العربية ومنها ثورة 11 فبراير.
يمكن الإشارة إلى أن العامل العربي واليمني خصوصا، ظل يعامل بتمييز من حيث الأصل والشكل والجنس، بالإضافة إلى الأجور المتدنية في أوضاع معيشية صعبة، والتهرب من دفع التعويض للوقت الإضافي.
كان الحوار الوطني الناتج عن ثورة فبراير، قد أثمر ولأول مرة، اهتماماً واضحاً وقوياً بالعمال في مخرجات الحوار، وكان يمكن لهذه المخرجات الخاصة بالعمال، أن تجد طريقها إلى الدستور اليمني، لولا الانقلاب المشئوم الذي قامت به جماعة الحوثي بالتحالف مع علي صالح.
في الحقيقة، لقد مثل هذا الانقلاب على روح ثورة فبراير، انقلابا على تطلعات الشباب، الذين يمثلون القاعدة الأساسية للعمال في اليمن، ولم تكن فبراير ثورة شبابية فقط، كانت ثورة عمالية بامتياز، شارك فيها أغلب عمال اليمن، باحثين عن حقوقهم وكرامتهم، وظلت تعز تهتف: شيدو الدولة المدنية، يا عمال يا فلاحين.
يدرك عمال اليمن جيدا، أنهم كانوا مجرد عبيد في عهد الأئمة، وأن ثورة سبتمبر 62م، فتحت أمامهم طريق النضال لنيل حقوقهم، ولكن هذه الحقوق ظلت منقوصة، في ظل نظام صالح الذي حاول تمييع ثقافة المواطنة التي نتجت عن ثورة سبتمبر، لقد حصل العامل اليمني على قوانين تضمن له حقوق كريمة، لكن هذه الحقوق ظلت منتقصة بسبب الفساد والمحسوبية التي سادت نظام صالح.
الآن وبعد أكثر من سنتين على الانقلاب، فقد عمال اليمن بسببه كل الامتيازات والحقوق التي أتت بها سبتمبر، بالإضافة إلى الحقوق التي نص عليها مؤتمر الحوار الوطني، ولأول في تاريخهم يقف عمال اليمن على قارعة الضياع، ورصيف المعاناة، ولم يكن أمام أغلبهم إلا الانخراط في مقاومة هذه الجماعة الظلامية التي لم تكتفي بالإضرار بحاضر العمال ومستقبلهم، بل حولت غالب الشعب اليمني إلى بطالة تبحث عن فرص عمل.
نحن أمام جماعة سلالية تحتقر العامل كثقافة، لأن العمل حرية، وهي تريد مجموعة عبيد، وفي هذا اليوم الذي يحتفل العالم بتكريم عماله، تحتفل جماعة الحوثي وحليفها صالح، بإرسال المزيد منهم إلى المقابر، ولا عجب فنحن أمام سلطة مقابر متخصصة في اختطاف أرواح الناس، ودفن أحلامهم.
لكن هذه الجماعة تنسى أن الكرامة لا تدفن، وأن الحرية لا تموت، نحن أمام جيل من العمال تشربت بروح أعظم ثورتين (سبتمبر وفبراير)، ويكفي الإشارة إلى أن من يقاوم الانقلاب الآن، ليس فقط الطالب والمهندس والدكتور ووو، هناك الأهم، النجار، ومباشر المطعم، وسائق الحافلة، وحارس البوابة، ووو.. وحائك الأحذية.


في الثلاثاء 02 مايو 2017 03:27:46 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=79869