أهمية النية في العبادات وأثرها في الإخلاص

2025-03-05 21:50:43 أخبار اليوم - متابعات

  

النية أساس قبول العمل، ولا تصحّ الأعمال الصالحة والطاعات إلا بإحضارها، فكل عبادة يُتقرّب بها إلى الله تعالى، من صلاة وصيام وحج وعمرة، تحتاج إلى نية صادقة وإخلاصٍ كامل لله. وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه" (متفق عليه).

مكانة النية وأهميتها في تمييز العبادات

للنية شأن عظيم في حياة المسلم، فهي التي تميّز العادات عن العبادات، وتفرّق بين أنواع العبادات نفسها. يقول الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله:

"الإمساك عن الأكل والشرب يقع تارةً حمية، وتارةً لعجز عن الأكل، وتارةً تقربًا إلى الله، فيحتاج الصيام إلى نية لتمييزه عن غيره، وكذلك العبادات؛ منها ما هو فرض ومنها ما هو نفل، وكذا الصدقة، تكون أحيانًا نافلة وأحيانًا فرضًا" (جامع العلوم والحكم، 1/85).

شروط النية في الصيام

يشترط لصوم الفريضة النية من الليل، قبل طلوع الفجر، لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصيامَ مِنَ الليلِ، فلا صيامَ له" (سنن النسائي، 2334).

والمقصود أنه من لم يعزم بقلبه على الصيام قبل الفجر، فلا يصح صومه. والنية محلها القلب، فلا يجوز التلفظ بها، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أي صيغة مخصوصة لها، بل اعتبر العلماء التلفظ بها أمرًا محدثًا يجب اجتنابه.

والراجح أن نيةً واحدة تكفي لصيام شهر رمضان كله، ما لم يقطعه عذر كالسفر أو المرض، أما صيام التطوع، فلا يشترط له تبييت النية، بل يجوز عقدها في النهار إذا لم يكن قد تناول شيئًا من المفطرات، كما ورد في السنة.

إخلاص النية والتحذير من الرياء

الإخلاص هو روح العبادات، والرياء يفسدها. قال ابن القيم رحمه الله:

"العمل بغير إخلاص ولا اقتداء، كالمسافر يملأ جرابه رملًا يثقله ولا ينفعه" (الفوائد، ص66).

وقد أمر الله تعالى بعبادته بإخلاص، فقال:

﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5].

وفي الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه" (صحيح مسلم، 2985).

خصوصية الصيام وإضافته إلى الله

لما كان الصيام سرًّا بين العبد وربه، لا يطلع عليه أحد، فقد اختصه الله بالإضافة إليه، تشريفًا وتعظيمًا، فقال في الحديث القدسي: "الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي" (صحيح البخاري، 7492).

يقول القرطبي رحمه الله:

"اختُص الصوم بإضافته إلى الله، لأنه سرّ بين العبد وربه، بخلاف سائر العبادات التي قد يُرائى بها، أما الصيام فلا يطلع عليه إلا الله، فهو أصدق العبادات إخلاصًا" (الجامع لأحكام القرآن، 3/123).

الإخلاص مفتاح القبول

ما أحوجنا في شهر رمضان إلى تصفية النوايا، والإخلاص التام لله، فهو شهر تهذيب النفوس، وتقوية الصلة بالله، والتخلص من شوائب الرياء والعجب. يقول ابن القيم رحمه الله:

"لا يجتمع الإخلاص في القلب مع محبة المدح والثناء، والطمع فيما عند الناس، كما لا يجتمع الماء والنار، فابدأ بقتل الطمع في مدح الناس، يسهل عليك الإخلاص" (فوائد الفوائد، ص421).

اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل، وتقبّل منا الصيام والقيام، واجعل أعمالنا خالصةً لوجهك الكريم.

             

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
التعبئة الحوثية.. أوعية لعسكرة وتلقين المجتمع على طريقة الباسيج الإيرانية

تركز مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران مجهوداتها الرئيسية على تعبئة المجتمع وتجنيده عسكريًا وتأطيره أيديولوجيًا، لخدمة مشروعها وحروبها المستقبلية، استنساخًا للتجربة الإيرانية. زعيم الميليشيا أفصح عن تدريب أ مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
قائد لواء المغاوير العميد العبسي: النصر حتمي والحوثي إلى زوال

▪ لواء المغاوير .. مسيرة تضحيات وبطولات خالدة. ▪ بشائر النصر تلوح.. والحوثي صفحة سوداء إلى زوال. ▪ الوضع الميداني اليوم أكثر استقرارًا وصمودًا. ▪ سبتمبر هوية وهواء يتنفسه المقاتلون. ▪ التنسيق العسكري في محور مران جسد واح مشاهدة المزيد